نص الشريط
الدرس 21
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/12/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2734
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (503)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين

الملاحظة الاخيرة ما ذكره السيد الاستاذ في الايراد على مسلك التفصيل، ومحصله:

ان مقتضى ما ذكر في الحكمة، من ان الشيء انما يحكي عما يطابقه لا عما ينطبق عليه هو عدم انقسام المعلوم بالإجمال في حدّ ذاته لما اذا كان المنكشف هو الفرد او المنكشف هو الجامع.

وبيان ذلك: انّ العنوان المعلوم بالإجمال كعنوان نجاسة احد الإناءين هو عنوان منتزع لمعقول اولي وثانوي، فالأولي هو نفس الافراد الخارجي والثانوي هو عنوان البدلية بمعنى عدم الاجتماع في الصدق فبملاحظة مجموع هذين الامرين وهما الافراد الخارجية مع مفهوم البدلية ينتزع عنوان احد الأناءين نجس، فليس منشأ الانتزاع هذا المعين ولا ذاك المعين ولا كلاهما، وانما منشأ الانتزاع هو نفس الافراد بضميمة البدلية، وبما انّ العنوان الانتزاعي انما يحكي عن منشأ انتزاعه لا اكثر من ذلك فما هو المحكي بالعنوان المعلوم بالإجمال هو احدهما على سبيل البدل لا انه يحكي عن فرد متعين واقعا تارة وصرف الوجود اخرى وفرد لا متعين ثالثا وانما يحكي عما طابقه لا عما انطبق عليه، وان اختلف المنطبق عليه باختلاف الموارد، نتيجة اختلاف الاسباب.

فلأجل ذلك: حتّى لو انضمت الاشارة الى منشأ الانتزاع فقيل بأنّ المعلوم بالإجمال نجاسة ذلك الاناء الذي وقعت فيه القطرة الحسية المتشخصة، فان هذه الاشارة ان كشفت عن ذلك الوجود المتشخص تفصيلاً صار العلم تفصيلياً واما اذا لم تكشف عنه تفصيلاً فلا محالة المحكي بهذا العنوان مع ضميمة الاشارة ليس الا احدهما على سبيل البدل، والا فلا يجتمع ان يكون المشار اليه احد لا ينطبق على غيره مع تجويز الذهن صدق هذا العنوان على كل منهما على سبيل البدل.

وما ذكره تام، فتبين ان انقسام المعلوم بالإجمال لما افيد من اقسام وان كان حقا ولكن هذا لا يوجب اختلافا في حقيقة العلم الإجمالي.

فتحصل: أنّ حقيقة العلم الاجمالي بحسب المسلك المختار ما ذهب اليه المحقق الأصفهاني من ان المعلوم بالإجمال الجامع المشير الى واقع متقرر، وبيان ذلك بذكر امور:

الامر الأول:

في الفرق بين المعلوم بالإجمال والواجب التخييري والكلي في المعين، فان الفرق  مع ان متعلق الجميع جامع  أنّ العلم الاجمالي  بلحاظ ما تقرر في الحكمة من اتحاد العلم والمعلوم وان لا صورتين لعلم ومعلوم، بل العلم هو المعلوم وليس شيئا اخر  هو الجامع المرتسم في الذهن المشير الى واقع متقرر في رتبة سابقة مع غمض النظر عن العلم نفسه فان طبيعة كل علم تعني ان المعلوم متقرر في رتبة سابقة مع غمض النظر عن هذا العلم.

بينما الجامع المتعلق للوجوب التخييري كما اذا قال صل احدى الفرضين القصر ام التمام فان هذا الجامع لا تقرر له وراء الطلب بل بالطلب يتقرر الجامع.

كما انه في الكلي في المعين اذا قال بعتك احد صيعان هذه الصبرة فان المبيع وهو الأحد لا تقرر له الا بنفس هذا التمليك لا برتبة سابقة.

بينما المعلوم بالإجمال هو كما اذا علمت بوجوب احد الفرضين في يوم الجمعة فان للمعلوم تقررا في رتبة سابقة مع غمض النظر عن العلم نفسه، هذا هو الامر الأول.

الامر الثاني:

في بيان الفارق بين ما ذكره المحقق الاصفهاني وما اشكل به عليه المحقق العراقي من الخلاف حول بساطة العلم الاجمالي وتركيبه ان يقال العلم الاجمالي صورة بسيطة وحدانية وهي ليست الا الجامع المشير الى الواقع غاية الامر ان الذهن يحلل هذه الصورة الى عناصر ثلاثة: علم بالجامع وهو علم بوجوب فريضة.

وعلم بان هذا الجامع وهو وجوب فريضة واقع في احد الفرضين وهما اما الظهر او الجمعة، والا فليس علما باي جامع، بل علم بجامع واقعه في احد هذين الفرضين الظهر او الجمعة.

وشك في انّ هذا الجامع هل هو في الظهر مع غمض النظر عن الجمعة ام هو في الجمعة مع غمض النظر عن الظهر.

وهذا العنصر الثالث من لوازم العنصر الثاني فالعلم الاجمالي صورة بسيطة وحدانية يحللها العقل الى هذه العناصر الثلاثة لا ان العلم الاجمالي مركب من صور ثلاثة او أربعة كما توهمه بعض الكلمات.

الأمر الثالث:

في ان المعلوم بالإجمال جامع متأصل او جامع انتزاعي حيث يظهر من كلمات المحقق النائيني أنّ المعلوم بالإجمال هو الجامع الانتزاعي واتعب السيد الاستاذ نفسه في تحقيق ذلك.

فنقول لا ملزم لأن نقول ان متعلق العلم الاجمالي الجامع الانتزاعي بل متعلقه الجامع المشير لواقع ورائه سواء صغنا ذلك الجامع بعنوان متأصل كما لو قلنا ما اعلم به فريضة واجبة في يوم الجمعة او صغناه بعنوان انتزاعي سواء عبرنا عن ذلك العنوان الانتزاعي بمعنى اسمي وهو عنوان الأحد او بمعنى حرفي وهو عنوان ”او“ بان قلنا الواجب الظهر او الجمعة، فلا اثر لذلك بان يوجب اختلافا في حقيقية المعلوم بالإجمال.

الامر الرابع: في بيان أن العلم الاجمالي متقوم بالإشارة لا محالة، كما نبه على ذلك السيد الصدر.

وبيان ذلك ان العلم الاجمالي من قسم التصديق لا من قسم التصور والفرق بين التصور والتصديق هو ان العلم التصديقي متقوم بالإشارة. ثم ان العلم التصديقي متقوم بالإشارة لكن لا على نحو التركيب بل حقيقته هي الاشارة بمعنى ان الفارق بين التصور والتصديق التباين لا الاقل والاكثر فالتصديق هو الصورة المشيرة الى الواقع لا ان الاشارة خارجة عن هذه الصورة مركبة معها منضمة اليها، غاية ما في الباب ان الفارق بينهما ما نذكره وما اختاره السيد الشهيد ان الاشارة هي الى وجود متشخص وبالتالي صار مسلكه ان المعلوم بالإجمال انكشاف لفرد متعين، بلحاظ ان الاشارة اشارة لوجود متشخص. وهذا لا ملزم به بل الاشارة هي اشارة لواقع والواقع اعم من الوجود الخارجي واعم من الكلي او الجزئي فالمشار اليه واقعية النسبة سواء كانت هذه الواقعية في نفس الامر او في عالم الذهن او في عالم الخارج فقد تقول اعلم ان العصمة اما علم بسيط او علم مركب، وهذا من العلم الاجمالي ولكن المشار اليه واقعية في ظرف نفس الامر، وقد تقول اعلم ان الصورة التي في ذهني اما لعلم تفصيلي او لعلم اجمالي وهذه أيضاً اشارة لواقع في عالم الذهن وقد تقول اعلم بنجاسة احد الأناءين والمشار اليه واقع في عالم الخارج فلا ملزم ان يكون المشار اليه وجودا متشخصا فالمعلوم بالإجمال جامع متقوم بالإشارة الى الواقع بالنحو الاعم من هذه الظروف والعوالم الثلاثة. فلأجل ذلك قد يكون المشار اليه بالعرض الذي هو الواقع المحكي بالعنوان الجامع، فقد يكون المشار اليه بالعرض كليا او جزئيا او ذهنيا او خارجيا لا فرق في ذلك وهذا لا يخل بحقيقة العلم الاجمالي.

الامر الخامس

كما ذكرنا في الامر الرابع ان الاشارة مقومة لا انها منضمة وبعبارة اخرى ان السيد الشهيد ربما يظهر من التقريرات انه يرى ان الاشارة منضمة الى الصورة لان في بعض الكلمات اصرارا على الفرق بين الفنائية وبين الاشارة ففنائية الصورة فيما تحكي عنه شيء والاشارة بالصورة الى الواقعية شيء اخر فنتيجة هذا التفكيك بين الفنائية والاشارة ان تكون الاشارة لا محالة منضمة الى الصورة وحيث ان الاشارة صورة أيضاً لان كل ما في الذهن هو صور فاذا كانت الاشارة ذهنية لا محالة كانت صورة فرجع العلم الاجمالي الى التركيب من صورتين.

ولكن الصحيح ان الاشارة هي مرتبة من الفنائية وليست شيئا منضماً الى الصورة، فان فنائية العنوان في حكايته عما ورائه على مراتب ودرجات، ومن مراتب هذه الفنائية حكايته عن واقع لا مجرد مفهوم من المفاهيم.

وببيان اخر: تارة نعلم بجامع من دون اضافة الى شيء كما لو علمنا بوجود اسد في قم الا ان هذا ليس من العلم الاجمالي فان المعلوم بالإجمال لابد ان يضاف الى دائرة معينة، وحينئذٍ فالمعلوم ليس هو جامع الاسد في قم، او ليس هو العلم بوجود ثوب نجس في قم، قطعا يوجد ثوب نجس في قم، ولكن هذا ليس علما اجماليا بل العلم الإجمالي العلم بثوب نجس من هذه الثياب، وبالتالي هنا تكتسب الصورة نفسها مرتبة من الفنائية في واقع لا مجرد صورة والا فلو قلت لك حتّى تعلم الفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي تصور في ذهنك شخصا مردد بين عربي او اجنبي فهذه ليست صورة العلم الاجمالي نفسه وانما هي صورة للمعلوم الإجمالي فان هذه الصورة من العلم التصوري لا التصديقي فاذا كان علما اجمالي حقيقة فهو صورة لجامع مشير لواقع لا مجرد صورة لجامع، فالإشارة الى الواقع من الوان الصورة وشؤونها لا انها صورة اخرى منضمة اليها.

الامر الاخير: لا اشكال ان العلم الاجمالي ينقسم الى اقسام فقد يكون المعلوم بالإجمال جامعا ينحصر مصداقه خارجا في فرد، وقد يكون المعلوم بالإجمال جامعا لا ينحصر مصداقه في فرد فقد اعلم بإناء نجس تفصيلا ثم يختلط هذا الاناء بغيره من الآنية فيحصل علم اجمالي فما علمت به نجاسة اناء ولكن ينحصر مصداقه في فرد وقد اعلم انه نتيجة ورود 300 خبر في رجعة الائمة اعلم بان خبرا منها صحيح ولكن هذا المعلوم بالإجمال لا ينحصر مصداقه في فرد لعله اكثر من فرد فلا استطيع ان اشير الى ذلك الفرد فهو غير معين لا ذهنا ولا خارجا.

لأجل ذلك نقول ان هذا الانقسام لا يعني اختلافا في حقيقة العلم الاجمالي فالمعلوم بالإجمال جامع مشير لواقع وذلك الواقع مردد في نظر العالم بين فردين او طرفين اما هذا الجامع نفسه بهذه الصفة قد يكتسب صفة اخرى وهي انحصار مصداقه في فرد نتيجة اختلاف اسباب حدوث العلم الاجمالي، الا ان هذا لا يوجب اختلافا في المعلوم بالإجمال فلو علمت بنجاسة اناء متشخص خارجا ثم انكشف ان هذا العلم كان جهلا مركبا او كلا الأناءين نجس او واحد نجس فلا فرق بين الموارد الثلاث في الصورة وانما الاختلاف في الواقع فوحدة الصورة مع اختلاف الموارد كاشف عن ان المعلوم بالإجمال ذو حقيقة واحدة وان اختلفت اقسامه لاختلاف السبب في حدوثه لا انه تارة يكون متعينا ولا يكون كذلك تارة اخرى. اذا فبالنتيجة حقيقة العلم الاجمالي هي الجامع الحاكي عن واقع مردد في نظر العالم بين طرفين او اكثر.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 20
الدرس 22