نص الشريط
الدرس 22
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/12/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2943
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (410)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمّد وآله الطاهرين

تقدمت عدة مسالك في حقيقة العلم الاجمالي، وقد رُتب على ذلك البحث عدة ثمرات:

الاولى: أنّ الانحلال الحقيقي بمعنى زوال العلم الإجمالي هل يُتصور على جميع المسالك في حقيقة العلم الاجمالي ام لا؟ مثلاً ذكر في بحث الانحلال أنّ الانحلال المعبر عنه بالانحلال الحقيقي على نوعين:

1 - تارة يكون الانحلال بمعنى ”زوال العلم الاجمالي“ ويمثل له بما اذا علم بوجود خمسة شياه مغصوبة عليها علامة حمراء لكن من بين مئة شاة في هذا المكان ولكنه لايميزه نتيجة الظلام مثلاً فاذا ارتفع الظلام ووجد الخمسة شياه المغصوبة المعلمة بالعلامة الحمراء زال العلم الاجمالي واصبح العلم تفصيلياً، فهذا نوع من الانحلال الحقيقي.

2 - والنوع الثاني: زوال احد المحتملين عن الطرفية للعلم لازوال العلم الإجمالي، مثلاً اذا علم اجمالاً ان هناك مئة تكليف الزامي في باب الصلاة في الكتب الأربعة، ثم فحص فوجد مئة تكليف الزامي في باب الصلاة في خصوص كتاب الفقيه، فاختلفت دائرة المعلوم بالاجمال عن دائرة المعلوم بالتفصيل، فحينئذٍ هل تطابق العلمان؟ بان يقول ما علمته اجمالاً من وجود مئة تكليف الزامي في الصلاة وجدته تفصيلاً كما في المثال السابق فلا وجود للعلم الاجمالي اصلا ام انه يقول الذي حصل لي الان بعد وجدان مئة تكليف انني احتمل تطابق المئة المعلومة اجمالا مع المئة المعلومة تفصيلا؟ ونتيجة هذا الاحتمال أي احتمال المطابقة فالمحتمل الآخر وهو وجود تكاليف الزامية في باب الصلاة في غير الفقيه يبقى احتمالا لاعلماً فالمحتمل الآخر خرج عن طرفية العلم، واصبح مجرد احتمال فهذا المعنى الثاني للانحلال الحقيقي الذي عبر عنه جملة من الاعلام بالانحلال الحكمي لان العلم الإجمالي لم تزل صورته حقيقة. فعلى أي حال بناءً على مسلك المحقق العراقي والسيد الصدر من أنّ العلم الاجمالي متعلق بواقع متعين أو متعلق بفرد متعين، فعلى هذا المبنى يمكن ان يزول العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي اذ المفروض أن هناك واقعا متعينا غاية الامر علم به اجمالاً اولاً ثم علم به تفصيلا فتحول العلم من اجمال الى تفصيل.

وامّا بناءً على المسلك القائل أن العلم الاجمالي انما يتعلق بالجامع لابواقع متعين في علم الله فالمعلوم بالإجمال لايقبل ان يكون معلوما بالتفصيل في يوم من الايام ولا يقبل ان يكون منحلا انحلالا حقيقيا بمعنى زوال العلم الإجمال الا ان يتبين انه جهل مركب، وبالتالي فالانحلال المتصور بناءً على مسلك الجامع هو الانحلال الحقيقي بالمعنى الثاني أي انك كنت تعلم اجمالاً بوجوب فريضة وقد علمت تفصيلاً بوجوب الظهر فتقول لي علمان غاية الامر لمّا علمت تفصيلاً بوجوب الظهر خرج وجوب الجمعة عن الطرفية وبقي مجرد احتمال فتجري فيه البراءة وهذا المبحث سيأتي تحقيقه مشبعا في دوران الامر بين الاقل الاكثر الارتباطيين.

الثمرة الثانية: قد يقال اذا قلنا بان العلم الاجمالي علم بالواقع كما يراه العراقي فمقتضى ذلك تنجز الواقع، لأنّ المنجزية بمقدار العلم فاذا كان الواقع معلوما فهو منجز ومقتضى تنجز الواقع حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية فاذا علم اجمالا بوجوب فريضة اما الظهر او الجمعة فكما يحرم تركهما معاً لأنّه مخالفة قطيعة يجب الاتيان بهما معا تحصيلا للموافقة القطعية فهذا هو معنى تنجز الواقع، لذلك ذهب العراقي الى علّية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية.

وان قلنا ان العلم الاجمالي علم بالجامع، فلم تعلم باكثر من الجامع فلا يتنجز عليك اكثر من الجامع فحينئذٍ نسب الى الشيخ الانصاري والمحقق النائيني أنّ العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ولكنه مجرد مقتضي لوجوب الموافقة القطعية والسر في ذلك ان المنكشف هو الجامع فقط وهو وجوب فريضة ولكنك لو تركتهما معا لضيعت الجامع قطعا واما لو اتيت بأحدهما دون الآخر فقد حققت الجامع اذ الجامع يصدق بأحد فرديه.

واما اذا قلنا بان المعلوم بالاجمال وان كان هو الجامع ولكنه جامع انتزاعي كما ذهب اليه السيد السيستاني، والجامع الانتزاعي هو ”عنوان الأحد“ والأحد مجرد عنوان مشير لانفسية له، بل هو طريق محض والعناوين التي لانفسية لها لاتدخل في العهدة اصلاً اذ الذي يدخل في العهدة ما كان له ما بإزاء كي يكون له امتثال لاما كان مجرد طريق محض، اذا فعلى هذا المبنى لم ينكشف لك شيء وحيث لم ينكشف شيء قابل للدخول في العهدة اذا فالمتنجز مجرد الاحتمال، فلا تحرم المخالفة القطعية ولا تجب الموافقة القطعية لابنحو العلية التامة ولا بنحو الاقتضاء بل المورد من موارد منجزية الاحتمال وسياتي بحث هذه المطالب وان التفريع على المسالك في حقيقة العلم الاجمالي تام ام لا.

الثمرة الثالثة: ما قيل من انه اذا علم اجمالاً بحصول حدث مردد بين البول والمني، فقام المكلف فتوضأ بعد الوضوء اذا اراد ان يستصحب فما هو المستصحب هل المستصحب الكلي ام الفرد فبنيت المسالة على حقيقة العلم الاجمالي فان كان المعلوم بالاجمال هو الفرد كما يقول السيد الشهيد فانت قد علمت بفرد مشخص خارجا وان كنت لم تميزه فمقتضى الاستصحاب ان تستصحب ذلك الفرد فتدخل المسالة في استصحاب الفرد المردد، لأنّه ان كان بولا فقد ارتفع قطعا وان كان منيا فمازال باقيا فهو فردد مردد بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء.

واما اذا كان العلم الاجمالي متعلقا بالجامع لابالفرد فلم يكن لك يقين بالفرد كي يجري استصحابه بل ما تيقنت به هو الجامع، فالجاري استصحاب الكلي أي كلي الحدث فيكون من القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلي، وهو ما اذا دار امر الكلي بين جامع ضمن فرد قد ارتفع جزما وبين جامع ضمن فرد مشكوك الحدوث فهل يجري استصحاب الكلي في القسم الثاني ام لا؟

ولكن قد يقال حتّى لو بنينا على انّ العلم الاجمالي كاشف عن الفرد مع ذلك يجري استصحابه بلا حاجة الى ادخاله في استصحاب الفرد المردد لان هذا الجزئي من الحدث الذي حصل له صفتان صفة خاصة وهي كونه بولا او منياً وصفة مشتركة وهي كونه حدثا، وعدم امكان جريان الاستصحاب فيه بلحاظ صفته الخاصة لترددها بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء فلا يوجد شك في البقاء كي يجري الاستصحاب ولكنه بلحاظ صفته المشتركة ذو اثر فان من اثار الحدث حرمة مس المصحف فيجري استصحاب ذلك الفرد من الحدث من جهة كونه حدثاً ولسنا ملزمين بإقحام المكلف في الفرد المردد.

هذا ما اردنا بيانه في الجملة من التفريع على بحث حقيقة العلم الاجمالي فيقع الكلام في بحث المنجزية، ونفهرس المطالب لاعلى طبق ما في الكتب، فهنا عدة مسالك في منجزية العلم الاجمالي:

المسلك الاول: ان العلم الاجمالي منجز عقلي للواقع، وهذا المسلك ينقسم الى عدة مباني:

المبنى الأول: مبنى الاصفهاني والعراقي وهو العلية التامة لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية.

الثاني: ما نسب للشيخ الانصاري من العلية التامة لحرمة المخالفة القطعية والاقتضاء لوجوب الموافقة القطعية.

الثالث: ما يظهر من كلمات صاحب الكفاية من ان العلم الاجمالي على نحو الاقتضاء لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية.. وسيأتي ان المنجزية العقلية هل تقبل الرفع من الشارع بمعنى رفع الموضوع ام لافان قلنا ان العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي متنجز عقلاً بنحو لايقبل الرفع فهذا هو مسلك العراقي وان قلنا بان العلم الاجمالي وان كان منجزاً عقلاً ولكن هذه المنجزية العقلية تعليقية على عدم تدخل الشارع، فهل هي تعليقية من الجهتين المخالفة القطيعة والموافقة القطعية كما في الكفاية ام من جهة واحدة وهي الموافقة القطعية كما هو رأي الشيخ الانصاري؟ وسيأتي بحث ذلك

المسلك الثاني: من يرى ان منجزية العلم الاجمالي للواقع عقلائية لاعقلية، فهي كحجية الاطمئنان حجية عقلائية وهو ما ذهب له السيد السيستاني في بعض دوراته الاصولية.

المسلك الثالث: ان العلم الاجمالي منجز عقلي للجامع لاللواقع.

المسلك الرابع: ان لامنجزية للعلم الاجمالي بل هو مورد من موارد منجزية الاحتمال وهذا ما يظهر من كلام السيدين الصدر والسيستاني.

المسلك الخامس: العلم الاجمالي لامنجز ولا الاحتمال في ضمنه منجز بل مورده مجرى البراءة العقلية، فلا العلم الاجمالي ولا الاحتمال في ضمنه يعد بيانا فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان وهو ظاهر كلمات المحقق القمي. يأتي البحث في ذلك إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 21
الدرس 23