نص الشريط
الدرس 23
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/12/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2867
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (539)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين

وقع الكلام في منجزية العلم الاجمالي وحدودها وعرض المسالك المختلفة فيها:

المسلك الاول: انكار منجزية العلم الإجمالي رأساً، وهو ما نسب في الرسائل الى المحققين الخوانساري والقمي، ويمكن ان يستدل لهذا المسلك بوجوه ثلاثة:

الوجه الاول:

لو كان العلم الاجمالي سببا لمنجزية الحكم الواقعي لما تخلّف الحكم عن التنجز الا في فرض العذر العقلي كالاضطرار او الشرعي كالحرج. فلو كانَ الحكم المعلوم بالاجمال منجزاً لما سقط تنجزه الا في هذا الفرض أي فرض العذر العقلي او الشرعي، مع اننا نرى حتّى عند القائلين بالمنجزية أنّه لاتنجز للمعلوم بالاجمال في موارد منها:

ما اذا خرج بعض الاطراف عن محل الابتلاء فلو علم اجمالاً اما بأنّ المال الذي بيده او بيد فلان مغصوب، فهنا لامنجزية للعلم الإجمالي، فلو كان العلم الاجمالي منجزاً لكان مقتضاه في المقام حرمة التصرف فيما بيده، فانّ الخروج عن محل الابتلاء ليس عذرا لاعقلاً ولا شرعا.

ومن هذه الموارد الشبهة غير المحصورة، اذا لم يخرج بعض اطرافها عن محل الابتلاء ولم يكن اجتنابها حرجياً كما لو فرضنا ان المكلف علم اجمالاً بنجاسة سطر من ورقة من بين 10 ملايين ورقة فانه في هذا الفرض لاتنجز للعلم الاجمالي لكون الشبهة غير محصورة مع انّه لايوجد عذر عقلي او شرعي مانع من فعلية الحكم الواقعي وهو النجاسة.

والجواب عن هذا الوجه الذي يراد به انكار منجزية العلم الإجمالي:

أمّا بالنسبة للمورد الاول وما يدخل تحته فتارة يعالج على ضوء مسلك العلية واخرى على ضوء مسلك الاقتضاء فأما على مسلك العلية وهو مسلك العراقي القائل ان العلم الاجمالي علة تامة للمنجزية بطرفيها، فعلى مسلكه إنّ العلم الاجمالي المنجز هو ما كان علماً بتكليف فعليّ على كل تقدير، وهذا ليس متوفرا فيما كان بعض الاطراف خارجاً عن محل الابتلاء، أو كانَ بعض الاطراف مورداً لأصل منجز، في رتبة سابقة.

والسر في ذلك: انه اذا دار امر الحرام بين ما في يدي او في يد غيري فالعلم الاجمالي بوجود حرام في المال ليس علما بتكليف فعلي في حقي على كل تقدير اذ على فرض ان الحرام في يد غيري، فالتكليف ليس فعلياً في حقي فبما ان المعلوم ليس تكليفاً فعليا على كل تقدير فالعلم الاجمالي ليس منجزا لالقصور فيه عن المنجزية، بل لان التنجز فرع فعلية الحكم فاذا لم يكن الحكم المعلوم بالاجمال فعليا على كل تقدير فعدم منجزية العلم الاجمالي لقصور في متعلقه لالقصور في العلم نفسه.

اما على مسلك الاقتضاء كمسلك الميرزا النائيني فان المناط في فعلية منجزية العلم الاجمالي تعارض الاصول في اطرافه فاذا جرى الاصل في احد الطرفين بلا معارض لم يكن العلم الاجمالي فعلي المنجزية، وفي المقام اذا دار امر النجس بين ما بيدي او ما بيد غيري جرت اصالة الطهارة فيما بيدي بلا معارض لان جريانها فيما بيد الغير لغو اذ ليس له اثر عملي في حقي، فنتيجة ذلك عدم تنجزه من الاساس.

فبلحاظ ان مسلك الاقتضاء يرى ان حكم العقل بالمنجزية تعليقي لاتنجيزي فهو معلق على عدم تدخل الشارع في موضوعه فاذا تدخل واجرى الاصل في احد الطرفين بلا مانع ارتفعت المنجزية بارتفاع موضوعها، لالقصور في العلم الاجمالي بل لانتفاء موضوع المنجزية.

واما بالنسبة للمورد الثاني وهو الشبهة غير المحصورة: كما لو علم بنجاسة سطر في ورقة من بين 10 ملايين ورقة مع ان الجميع محل ابتلائه وقدرته على الترك بلاحرج، فبناءً على عدم منجزية العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة لأنها شبهة غير محصورة كما هو بعض المباني ونسب ذلك للشيخ الانصاري فالجواب ان المعلوم بالاجمال انما يكون منجزا فيما اذا لم تقم امارة شرعية في طرفه على الخلاف كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الإنائين فقامت بينة على ان الابيض طاهر فان قيام الامارة موجب لانصراف المعلوم بالاجمال للطرف الآخر، بلحاظ مدلولها الالتزامي وفي الشبهة غير المحصورة حيث علم المكلف بنجاسة سطر واحد، لو قسّم الرقم المعلوم بالإجمال على عدد اطراف الشبهة غير المحصورة بان يقسم هذا الواحد على مليار طرف، فان نتيجة ذلك ان يكون احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل طرف احتمالا موهما، لأنّه واحد بالميار، وفي المورد الذي يكون احتمال الانطباق موهماً فهو مساوق للاطمئنان بالخلاف فكل سطر يضع المكلف يده عليه بحده يحصل له اطمئنان بطهارته لموهومية احتمال نجاسته والاطمئنان امارة عقلائية شرعية فلأجل ذلك ذهب من ذهب الى ان العلم الإجمالي لاقصور في منجزيته وانما يكون ذلك لو كان انطباق المعلوم على الطرف محتملا عقلائيا لاما اذا كان موهما، فالاستشهاد بهذه الموارد على عدم منجزية العلم الاجمالي رأساً غير صناعي.

الدليل الثاني الذي استدل به لإنكار اصل منجزية العلم الاجمالي، ما ذكره السيد السيستاني من ان المعلوم بالاجمال دائماً هو ”عنوان الأحد“، وهو انتزاعيٌ متمحض في الطريقية والمشيرية، ولأجل ذلك فهذا العنوان مما لايدخل في عهدة المكلف كي يكون منجزا، مثلاً اذا علم المكلف أنّ احد الحكمين وهو وجوب صلاة الجمعة او حرمة صوم عاشوراء ثابت في حقه، فما علم به احد الحكمين، واحد الحكمين ليس حكما، لان الأحد مجرد عنوان انتزاعي، وما يدخل في العهدة ويكون منجزاً هو الحكم لاالعناوين الانتزاعية، والمفروض انّ احد الحكمين ليس حكما فما هو منكشف بالعلم الإجمالي لايقبل المنجزية وهو الأحد، وما يقبل المنجزية وهو الحكم الفعلي ليس منكشفاً بالعلم الاجمالي، فلذلك لامجال لدعوى سببية العلم الاجمالي للمنجزية.

ويلاحظ على ذلك: انّه مبني على احد المسالك في حقيقة العلم الاجمالي والا فبعض المسالك كمسلك العراقي يرى ان العلم الاجمالي انكشاف للواقع لاللجامع الانتزاعي وهو عنوان الأحد.

مضافا الى ذلك نقول إنّ ما يقبل المنجزية هو كل عنوان حاك عما يقبل الايجاد والاحراز، فان ما يقبل المنجزية ما يدخل في عهدة المكلف وما يدخل في عهدته كل امر قابل لان يوجد ولان يحرز، فما دام امرا قابلا للإيجاد خارجا وقابلا للإحراز أي الموافقة القطعية فهو قابل للدخول في العهدة وان يكون منجزا، وعنوان الأحد وان كان انتزاعيا الا انه حاك عن منشأ انتزاعه ومنشأ الانتزاع ولو كان هو صرف الوجود او الفرد على سبيل البدل او نحو ذلك، فانه امر قابل لان يوجد خارجا وقابل لان يحرز فما دام المحكي امرا قابلا للإيجاد والاحراز فهو قابل للدخول في العهدة وللمنجزية.

والشاهد على ذلك، ان عنوان الأحد قد يكون مركز الفعلية في موارد العذر العقلي او الشرعي بلا شبهة عند احد، مثلاً لو وقع التزاحم بين واجبين متساويين بلا مرجح كما اذا وقع التزاحم بين ازالة النجاسة عن المسجد او ازالة النجاسة عن المصحف وقصرت قدرة المكلف عن الجمع بينهما ولا مرجح في البين فحينئذٍ يقال على مسلك المشهور في باب التزاحم ان احدهما فعلي، لاوجوب الازالة عن المصحف بعينه ولا وجوب الازالة عن المسجد بعينه بل الفعلي في حق المكلف ما كان مقدورا وما كان مقدورا له هو ”احدهما“ فلا محالة الفعلي هو الأحد، فالأحد الذي هو جامع انتزاعي صار مركز الفعلية، أي الدخول في عهدة المكلف.

بل ذهب صاحب الكفاية  لكونه ممن ينكر الترتب  الى ان التزاحم كاشف عن خطاب جديد بالتخيير وان المأمور به هو احدهما فالأحد صار على مبناه مركز الجعل فضلا عن مركز الفعلية وكذلك في موارد العذر العقلي مثلا كما لو وقع للمكلف الاضطرار او الحرج، بمعنى ان المكلف لايمكنه ان يجمع بين الامرين لا لأجل العجز بل لأجل الحرج، فهنا في مثل هذا المورد حيث لامرجح لاحد الواجبين على الآخر فالواجب الفعلي في حق المكلف احدهما، فكما ان الأحد يكون مركزا للفعلية بفعلية الموضوع وهو القدرة او عدم الحرج فيمكن ان يكون مركزاً للمنجزية فلأجل ذلك ان انكار منجزية العلم الاجمالي من هذا المدخل غير تام.

الدليل الثالث: ان يقال اذا علم اجمالا بأحد تكليفين، اما وجوب الظهر او الجمعة يوم الجمعة فمع غمض النظر عن العلم الاجمالي يقال لكل وجوب جعلٌ مستقلٌ ولذلك لكل وجوب اطاعة وعصيان مستقلان، فكما ان لكل وجوب جعل مستقل لكل وجوب ”فعلية مستقلة“ عن فعلية الآخر وكما ان لوجوب فعلية مستقلة فلكل وجوب تنجز مستقل، والنتيجة ان محطّ الجعل الوجوب بحده لاالجامع فانه لامعنى لتعلق الجعل بالجامع، بل متعلق الجعل الوجوب بحده أي وجوب الجمعة مثلاً ومركز الفعلية الوجوب بحده فان الذي يصير فعليا ليس جامع الوجوب بل وجوب الجمعة اذا صار يوم الجمعة، فكما ان موضوع الجعل والفعلية الوجوب بحدّه لاالجامع كذلك موضوع المنجزية الوجوب بحدّه لاالجامع وحيث لم ينكشف للمكلف الوجوب بحده فان غاية ما انكشف له هو الجامع، وهو وجوب فريضة اما الجمعة او الظهر فلا موضوع للمنجزية فعدم منجزية العلم الاجمالي لأجل انتفاء موضوعها وهو ”الوجوب بحدّه“ فانّ المنجزية تدور مدار العلم ولم يعلم بالوجوب بحدّه وانما علم بالجامع.

ويلاحظ على ذلك: مضافا الى انه قد ينكشف الوجوب بحدّه ومع ذلك يكون العلم اجماليا كما لو علم بوجوب صلاة الآيات عليه في هذا اليوم ولكن تردد ان وقتها فعلية الكسوف او الشروع في الانجلاء فانه لامجال هنا لان يقال ان المعلوم هو الأحد كيف وقد علم بوجوب صلاة الآيات عليه في هذا اليوم.

مضافا لذلك يقال صحيح ان مركز الجعل هو الوجوب بحده ولكن لاملازمة عقلية بين ما هو مركز الجعل والفعلية وما هو المنجزية فمن الممكن أن يكون مركز المنجزية هو الجامع وان كان مركز الجعل والفعلية هو الوجوب بحده.

والوجه في ذلك ان المنجزية حكم عقلي، وموضوع هذا الحكم بنظر العقل هو الوصول والقدرة على الايجاد فاذا وصل للمكلف مطلوب المولى وكان المكلف قادرا على ايجاده حكم العقل بان مقتضى المولوية المنجزية، والمفروض ان في موارد العلم الاجمالي قد وصل مطلوب المولى ولو ضمن الجامع، فاذا علم بوجوب فريضة يوم الجمعة فقد وصله ما هو محط غرض المولى وما هو مطلوب المولى وان كان قد وصل ضمن جامع، الا انه قد وصله ما هو محط الغرض.

فتلخص ان انكار منجزية العلم الاجمالي لأجل هذه الوجوه غير فني.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 22
الدرس 24