نص الشريط
الدرس 32
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/12/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2546
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (493)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تعرض السيد الشهيد لمطلبين، الاول هو التفصيل بين ما اذا كان قيد المتعلق محرزا بحيث يدخل في العهدة، وهنا تجب الموافقة القطعية من باب قاعدة الاشتغال.

وبين ما اذا لم يكن محرزا فحينئذٍ ليس المتنجز في حق المكلف سوى الجامع.

ولكن كلامه محل تأملٍ والوجه في ذلك انه متى ما كان قيد المتعلق محرزا وكان الإجمال في مقام الامتثال فالعلم تفصيلي لا اجمالي، ومتى ما كان قيد المتعلق مجملاً فالعلم الاجمالي متعلق بمقام التكليف لا بمقام الامتثال.

واما تصوّر ان قيد المتعلق محرز بحيث لا اجمال الا في مقام الامتثال ومع ذلك يكون العلم اجماليا فهذا الشق غير متصور وان كان هو ظاهر كلامه في جميع تقريراته.

والوجه في عدم صحة ذلك لا في الشبهة الحكمية ولا الموضوعية أن نقول:

اما في ”الشبهة الحكمية“ فقد مثّل له المقرر في حاشيته على التقرير بما اذا كان الخطاب على نحو القضية الخارجية، كما اذا قال اكرم كل من في العسكر، مشيرا الى عسكر موجود بالفعل، فهنا الخطاب على نحو القضية الخارجية فاذا علمنا اجمالا بأنّ احد الاخوين زيد او بكر في العسكر فحينئذٍ أفاد في ذكر هذا المثال ان هنا علماً اجمالياً بالحكم ومع ذلك فانّ قيد المتعلق محرزٌ اذ لا شبهة لنا في الخطاب حيث الخطاب تمّ وهو اكرام من في العسكر ولا شبهة فيه، وانما الشبهة متعلقة بمقام الانطباق وهو ان المنطبق والمصداق لهذا العنوان مردد بين زيد وبكر، والا

فالخطاب معلوم، فعنوان المتعلق وقيوده واضحة ولذلك دخلت في العهدة وانما الشك في مصداقه ومنطبقه.

ولكن هذا الذي ذكره المقرر ص 175 من البحوث ناقشه السيد الشهيد في ص 146 ضمن مناقشته للمحقق الاصفهاني حيث مثّل بنفس المثال وناقشه، فذكر بانه اذا قال المولى اكرم كل من في العسكر على نحو القضية الخارجية فهذا العنوان اما مشير او موضوع، أي اما ان يكون مأخوذاً على نحو المشيرية فلا دخل له في الحكم او انه ملحوظٌ على نحو الموضوعية.

فان كان ملحوظا على نحو المشيرية بمعنى ان مصب الحكم هو الأشخاص ولا دخل لكونهم في العسكر في شيء فهو مجرد مشير كان تقول خذ دينك من هذا ”الجالس“، فان جلوسه لا دخل له في اخذ الدين منه وانما هو مجرد عنوان مشير فبناءً على هذا سوف يكون مصب الحكم ذات الاشخاص، فاذا كان كذلك ودار الامر بين كون الشخص الذي هو مصبّ الحكم زيد او بكر، فلا محالة حينئذٍ لم يحرز المتعلق، اذ ما دام العنوان مجرد مشير وما هو مصب الحكم هو الاشخاص فاذا تردد الشخص بين زيد وبكر، اذا فالمتعلق مجمل، لا ان المتعلق محرز والشك في الانطباق والمصداق، بل المتعلق نفسه مجملٌ و

لأجل ذلك يدخل هذا المثال فيما لو كان عنوان المتعلق مجهولا... والذي التزم فيه السيد بعدم منجزية الموافقة القطعية، وجريان البراءة.

واذا كان القيد ملحوظا على نحو ”الموضوعية“ فالموضوعية على نوعين اذ تارة يكون هذا العنوان حيثية تعليلية، واخرى يكون هذا العنوان حيثية تقييدية، فان كان العنوان حيثية تعليلية، فمعنى ذلك عدّة لوازم:

اللازم الاول

انّ مصبّ الحكم عنوان اخر أيضاً وهذا العنوان «أي من في العسكر» مجرد علة له، نظير ان نبحث هل ان مصب الحرمة عنوان الخمر والاسكار علة لتعلق الحرمة بالخمر ام ان مصب الحرمة عنوان المسكر «مباشرة»، والخمر من مصاديقه، فاذا قلنا بان الاسكار حيثية تعليلية فلا محالة هي وان كانت دخيلة في الحكم الا انه اخذ في متعلق الحكم خصوصية اخرى وهي خصوصية الخمرية بخلاف ما اذا الاسكار حيثية تقييدية فهي المصب اولا واخراً.

فهنا «أيضاً» عندما يقول «المولى» اكرم كل من في العسكر فكونه في العسكر «هل هو» ”علة“ لوجوب اكرام زيد وبكر وعمرو ام ان المصب هو كونه في العسكر «اي العنوان مباشرة».

فبناءً على انّ الحيثية تعليلية اذا فالمتعلق اخذ فيه عنوان آخر كزيد وبكر وعمرو فكانه قال اكرم زيدا وبكرا وخالدا ”لكونهم في العسكر“، هذا اللازم الاول مقتضاه انه اذا علمنا اجمالا بان في العسكر احد الاخوين اما زيد او بكر فلا محالة قيد المتعلق غير محرز، فاننا انما احرزنا علة عروض الحكم لا اننا احرزنا قيد المتعلق وكان الشك متمحضاً في مقام الامتثال.

واللازم الآخر هو ما ذكره «قده» في ص 145 قال بانّ مرجع عناوين المتعلقات في الاحكام الشمولية الى قيود في الحكم، فلا حكم قبلها، فمثلا اذا قال المولى اكرم العالم على نحو الحكم الشمولي أي العموم الاستغراقي: «اكرم العالم» فان مرجع قوله «اكرم العالم» الى قضية شرطية «مفادها» من كان عالما فاكرمه، ولأجل ذلك فكون المكرم عالماً ليس قيداً مطلوبا وانما هو قيد اخذ في رتبة سابقة على الطلب، والنتيجة ان القيد المطلوب هو ان يكون المكرم هذا او هذا والا فكون المكرم عالما هذا قيد في الحكم، أي لا يكون الحكم فعليا حتّى يحرز مفاد كان الناقصة وهو كون

هذا الشخص عالما.

فلأجل ذلك اذا شُكّ في مفاد كان الناقصة كان الشك في فعلية التكليف وهو مجرى للبراءة....

ولذا التزم الاعلام بانه اذا قال يحرم الغناء وشككنا في ان هذا الصوت غناء ام لا، فانه مجرى للبراءة، مع ان الشك في المتعلق لا في موضوعه كالبلوغ والعقل واشباه ذلك الا انه لمّا كان الحكم انحلالياً فمقتضى ذلك ان يكون عنوان المتعلق قيدا في الحكم أي ليس مطلوبا بل هو في رتبة سابقة على الطلب.

وبناءً على ما ذكرنا اذا علمنا اجمالا ان من في العسكر اما زيد او بكر، فليس الإجمال راجعاً الى مقام الامتثال وانما الإجمال راجع للتكليف نفسه اذ مصب التكليف هو الشخص بعلة كونه في العسكر، فاذا كان الشخص مرددا بين زيد وبكر فلا محالة حينئذٍ يقع الإجمال في نفس متعلق التكليف ويأتي فيه كلامه ان لا منجزية للعلم الاجمالي لأكثر من الجامع.

وان كان عنوان من في العسكر ”حيثية تقييدية“، بمعنى ان مصب الحكم هو الكون في العسكر، غاية ما في الباب ان الاشخاص الكائنين في العسكر مجرد مصاديق ليس الا فلو تصورنا هذا المطلب على نحو القضية الخارجية  وان كانت حقيقية واقعا  ولكن لو تصورنا ان المولى صبّ الحكم على العنوان الا انه يريد قضيةً خارجيةً فلا محالة يكون العلم بالحكم تفصيلياً لا اجمالياً فيخرج عن محل البحث لأننا عملنا تفصيلا بالخطاب وليس هناك ثمة شك في شيء وانما الشك متمحض في مقام الامتثال لأجل الشك في ان المنطبق هل هو زيد او بكر.

فتبين من ذلك ان الجمع بين الامرين، بان يقال العلم اجمالي بالتكليف ومع ذلك فان عنوان المتعلق محرز وقد دخل في العهدة مما لا يتصور.

هذا بالنسبة للشبهة الحكمية.

واما بالنسبة للشبهة الموضوعية التي ركزّ عليها السيد نفسه، حيث لم يتعرض للشبهة الحكمية وانما تلميذه وسع ذلك، فبناءً على ذلك مثّل «قده» باكرم العالم، فقال اذا قال المولى اكرم العالم فتردد بين زيد وبكر فلا اشكال ان المتعلق واضح ودخل في العهدة غاية ما في الباب الشك في الامتثال وهو ان امتثال هذا الامر بإكرام زيد او بكر فمقتضى قاعدة الاشتغال هو اكرامهما معا وقد تبين الكلام فيه، مما سبق، والوجه في ذلك: ان هناك فرقا بين ان يقول المولى اكرم عالما وبين ان يقول اكرم العالم، فإذا قال المولى اكرم عالما على نحو صرف الوجود فالحكم بدلي

فالمقصود بذلك ان توجد هذا المقيد وهو اكرام عالم، ولأجل ذلك فمن ناحية المولى تم الخطاب، فلا اشكال فيه من ناحية الخطاب، فاذا تردد العالم بين زيد وبكر فلا محالة يكون الشك متمحضا في مقام الامتثال لان البيان قد تم الا ان هذا مثال للعلم التفصيلي، وهو خارج عن محل كلانا فقد يكون الحكم معلوما بالتفصيل ولكن يقع الإجمال في امتثاله كما اذا قال المولى اقم صلاة الظهر الى القبلة وترددت القبلة بين جهتين فالحكم معلوم تفصيلا وانما الإجمال في امتثاله، ومقتضى قاعدة الاشتغال هو الموافقة القطعية.

واما اذا قال اكرم العالم فالحكم انحلالي أي اكرام كل عالم، وبما ان عنوان المتعلق في الحكم الانحلالي قيد في الحكم نفسه أي ان مرجع اكرم العالم الى قضية شرطية ”ان كان الشخص عالما فاكرمه“ فمفاد كان الناقصة دخيل في فعلية الحكم ولذلك اذا وقع الشك في كونه عالما كان شكا في فعلية الحكم فلأجل ذلك نقول اذا علم اجمالا ان احد الاخوين عالم فدعوى ان المتعلق معلوم وقد دخل في العهدة وانما الشك في مقام الامتثال غير تامة، لانّ المفروض ان العالمية شرط في الحكم ومتعلق الحكم ليس العالمية وانما الاشخاص انفسهم فكانه قال اكرم زيدا ان كان عالما وبكرا ان

كان عالما... الخ وحيث اننا نجهل ان العالم أيٌ منهما زيد او بكر فخصوصية المتعلق مجهولة وليست معلومة.

و”مجرد“ العلم بانه نقطع ان الشرط وهو العالمية متحقق في احدهما وفعلي في احدهما فنحن نقطع ان بوجوب الاكرام فعلي في احدهما هذا صحيح ولكن ما تقطعون بفعليته عالمية احدهما، وهذا عبارة عن الجامع.

والنتيجة على مبنى السيد الشهيد من تجزئة الصورة المعلومة بالإجمال الى عنوان واضح مضيء وعنصر مظلم وهو كون العالم زيدا او بكرا فمقتضى ذلك ان لا منجزية الا للجامع، ويجري البراءة عن اكرام الآخر، والسر في ذلك ان خصوصية الشخص دخيلة في المتعلق وليست خارجة عنه، ولذا ليس المورد مورد قاعدة الاشتغال على مبنى السيد الصدر، ونزيد الكلام وضوحا بانه اذا فرضنا انك اكرمت زيدا وبعد ان اكرمته حصل لك علم اجمالي بان العالم الواجب اكرامه اما زيد او بكر، فهل تجري اصالة البراءة في بكر الذي لم تكرمه بلا مانع؟ نقول نعم والسر في ذلك انه لما كانت

عالمية الشخص شرطا في فعلية الحكم فالشك فيها شك في الفعلية، فنحن نشك في فعلية اكرام هذا فنجري البراءة عن وجوب اكرامه، ولا يعارض بالبراءة عن وجوب اكرام الاول لأنّه خرج عن محل الابتلاء بخلاف ما اذا قال اكرم عالا فاكرمت زيدا قبل ان التفت للخطاب ثم علمت بان هناك خطابا وهو اكرم عالما وتردد العالم بين زيد وبين بكر فهنا لا تجري اصالة البراءة في الفرد الباقي لان العالمية هنا ليست شرط في فعلية الحكم، اذ المولى لم يقل ان كان عالما فاكرمه بل قال اوجد لي اكرام عالم فحيث تمَّ الخطاب وتمت فعليته فالمورد مورد شك في الامتثال محضا ومقتضاه قاعدة الاشتغال.

اذا فالنتيجة ان التفصيل الذي افيد في البحوث غير تام.

الحمد لله رب العالمين

الدرس 31
الدرس 33