نص الشريط
الدرس 45
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 3/2/1436 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2567
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (327)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

المتلخص مما مضى: أننا لا نقيس العلم الاجمالي على العلم التفصيلي، بلحاظ ان العلم التفصيلي لا شكّ فيه الا في مقام الامتثال ولذلك يكون علة تامة للمنجزية في اطرافه، بينما العلم الاجمالي لأنّه مشوب بالشك في التكليف فليس علة تامة للمنجزية في اطرافه، وانما هو منجز للجامع على سبيل العلية وللأطراف على سبيل الاقتضاء، فهذا هو مقتضى الفرق بين العلمين، لا أنّ مقتضى الفرق ان يكون المنجز في اطراف العلم التفصيلي هو العلم بينما المنجز في اطراف العلم الاجمالي هو الاحتمال، كما ذهب اليه السيد الاستاذ دامت بركاته...

فالنتيجة من هذا البحث: انّ العلم الاجمالي منجز للجامع في الاطراف على سبيل الاقتضاء ولأجل اننا ندخل في بقية الآراء في منجزية العلم الاجمالي وهي ان العلم الاجمالي منجز للواقع على نحو العلية التامة أم على نحو الاقتضاء أم لابد من التفصيل بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، بان يقال: العلم الإجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية، اما بالنسبة للموافقة القطعية فهو مقتضي، كما نسب ذلك الى الشيخ الانصاري والمحقق النائيني ومن تبعه «قدس الله اسرارهم».

وقبل البحث في ذلك لابد من ذكر امور دخيلة في البحث:

الامر الاول: ما هو المقصود بالعلية والاقتضاء في محل كلامنا؟.

وقد أشار لهذا البحث المحقق الاصفهاني في «ج4 ص239» من نهاية الدراية، حيث ان الاقتضاء والعلية لها معان ثلاثة، فما هو المقصود منها في المقام؟.

الأول: ان السببية تارة تكون تامة من دون حاجة لشرط ولا لعدم مانع، فهي علة تامة، وتارة تكون ناقصة فتتوقف فعليتها على توفر الشرط وعدم المانع، وهذا هو المراد بالاقتضاء، كأن قال: ان علية النار لاحتراق الثوب على نحو الاقتضاء لتوقفها على الشرط وعدم المانع.

وهذا المعنى ليس مقصودا في المقام؛ لانّ علاقة العلم الاجمالي بالمنجزية ليست علاقة العلل بمعلولاتها والاسباب بمسبباتها وانما هي علاقة الموضوع بحكمه كأن يقال: ان الظلم قبيح، فالظلم موضوع والقبيح حكم، فعلاقة الظلم بالقبح علاقة الموضوع بحكمه لا علاقة السببية كي تدخل في السببية التامة او الاقتضاء، وعبّر اهل الحكمة عن علاقة الموضوع بحكمه بأنها علاقة الغاية بالمغيّى لا علاقة السبب بمسببه، والغرض من ذلك: ان العقل عندما يحكم بالقبح، فإن الغاية من الحكم بالقبح هو تحديد الظلم وعدم ارتكابه بالنسبة للقبح بمثابة الغاية للمغيى، فكذلك علاقة العلم الاجمالي بالمنجزية، فإنها من قبيل علاقة الغاية بالمغيا.

ومعنى ذلك: ان حكم العقل بحق الطاعة او قبح المعصية الغرض منه رعاية العلم الإجمالي بحكم الزامي للمولى، فالموضوع وهو العلم بحكم الزامي للمولى صار غاية للحكم، وهو حكم العقل بحق الطاعة وقبح المعصية.

المعنى الثاني للاقتضاء: بمعنى صلاحية العنوان للاندراج تحت موضوع الحسن والقبح، حيث ذكر اهل الحكمة ان العناوين الثلاثة:

الاول: ان لا يكون في نفسه مندرجا تحت موضوع الحسن او القبح، كعنوان المشي والاكل.

الثاني: ما يكون بعنوانه مندرجا تحت موضوع الحسن او القبح، فهو ليس موضوعا في حد ذاته للحسن او القبح، وانما لو خلي ونفسه لاندرج تحت موضوع الحسن او القبح، نظير الصدق والكذب فانّ الصدق لو خلي ونفسه لدخل تحت عنوان العدل، لأنّ الصدق عدل في القول والكذب جور في القول، فلأجل ذلك يقال ان الصدق فيه اقتضاء للحسن، اذ لو خلي ونفسه لدخل تحت موضوع الحسن وهو العدل ولكن لو طرأ عليه عنوان آخر فقد يصبح قبيحا، كما لو كان الصدق اتلافا لنفس محترمة، فانه حينئذٍ يكون مصداقا للظلم القبيح.

والثالث: ما يكون بعنوانه موضوعاً للحسن والقبح فلا يتخلف عنه الحسن والقبح كعنوان العدل والظلم، فالعدل والظلم علة تامة للحسن والقبح بمعنى انه بعنوانه موضوع للقبح، بينما الصدق والكذب مقتض، بمعنى انه لو خلي ونفسه لدخل تحت موضوع الحسن والقبح لا انه موضوع لهما.

وذكر «قده»: ان هذا المعنى ليس هو المقصود في بحث العلم الاجمالي. والوجه في ذلك: انه قد يقال: إنّ المخالفة للحكم الالزامي فيها اقتضاء للقبح، وانما يكون هذا الاقتضاء فعلياً اذا توفر شرط وهو كون الحكم الالزامي واصلاً، فالمخالفة ذات اقتضاء للقبح مشروطا بوصول الحكم الالزامي.

ولكن قد يقال: ان الحكم الالزامي ان وصل كانت مخالفته ظلما قبيحا وان لم يصل فليس في المخالفة أي اقتضاء للقبح...

إذاً: فدعوى ان المقام مندرج تحت الحسن والقبح بالمعنى الثاني مما لا شاهد عليه، إذ المخالفة في حد ذاتها ولو اقتضاءً فان وصل الحكم الالزامي كانت علة تامة للقبح؛ الا ان يقال: ان المخالفة نوعان: 1 - مخالفة قطعية، وهذه بنفسها ظلم للمولى. 2 - ومخالفة احتمالية ففيها اقتضاء القبح وان لم تكن علة تامة، فتأمل.

المعنى الثالث: ان المراد بالاقتضاء التعليق وهذا ظاهر مراد العراقي والاصفهاني في المقام، أيّ ان منجزية أي حكم من الاحكام تارة تكون معلقة على عدم ترخيص من الشارع، وتارة لا تكون معلقة، فإن كانت المنجزية معلقة نظير ما ذهب اليه المحقق النائيني من ان منجزية العلم الاجمالي للواقع ليست باتة. والسر في ذلك:

ان هذه المنجزية ملاكها حكم العقل بأن للمولى حق الطاعة، فإذا رخّص المولى وصاحب الحق في اقتحام اطراف العلم الاجمالي انتفى حق حكم العقل بمنجزية العلم الاجمالي بملاك حق الطاعة، فأصبحت منجزية العلم الاجمالي للأطراف بملاك حق الطاعة معلقة على عدم فعلية الترخيص من قبل صاحب الحق، وهذا ما يعبر عنه بالاقتضاء.

واما اذا كانت المنجزية غير معلقة على شيء فهي باتة كمنجزية العلم التفصيلي، فالعلم مثلاً بوجوب صلاة الظهر لا ينتظر من حيث منجزيته شيء فيقال منجزية العلم التفصيلي علة تامة فالأول يقبل الترخيص من صاحب الحق، والثاني لا يقبل الترخيص، فهذا هو المقصود بالبحوث الآتية في التعبير بالعلية والاقتضاء.

الامر الثاني: انه هل العلم الاجمالي على القول بالعلّيّة كما هو مسلك العراقي والعلم الاجمالي على القول بالاقتضاء كما هو مسلك النائيني يشتركان في بعض الموارد ويفترقان؟.

نقول ان المنجزية ذات مراحل: مرحلة الاقتضاء، مرحلة فعلية الشرط، مرحلة عدم المانع، وفي المرحلتين الاوليين يشترك المسلكان ويفترقان في المرحلة الثالثة، بيان ذلك:

اما في المرحلة الأولى: وهي المقتضي للمنجزية فلا اشكال فيها في العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي وهو ان المقتضي للمنجزية تعلق العلم بحكم فعلي، فما لم يكن الحكم فعلياً فلا مقتضي للمنجزية، والمراد بالحكم الفعلي ان لا يكون حرجيا ولا ضررياً ولا اضطرارياً وما اشبه ذلك ففي هذه الموارد لو علم به تفصيلا لم يكن منجزاً عما لو علم به اجمالاً.

المرحلة الثانية: توفر الشرط وهو ان شرط المنجزية للعلم الاجمالي على المسلكين ان لا يقوم منجز في اطرافه في رتبة سابقة، والا لو قام لم يتنجز..

والحمد لله رب العالمين

الدرس 44
الدرس 46