نص الشريط
الدرس 46
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/2/1436 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 3074
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (346)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم ان المسلكين في منجزية العلم الاجمالي يشتركان في تحديد الموضوع وفي تحديد الشرط.

فالموضوع في المنجزية: تعلق العلم بحكم فعلي، ومتى ما كان الحكم حرجياً او ضررياً كالعلم الاجمالي بوجوب الصوم مع كونه ضرريا لا منجزية له على كلا المسلكين، وكذلك بالنسبة للشرط حيث ان منجزية العلم الاجمالي على كلا المسلكين مشروطة بأن لا يكون في أطرافه منجز، مثلاً: إذا علم اجمالاً بوجوب الظهر او الجمعة وقد تنجزت عليه الجمعة بمنجز آخر مقارن للعلم الاجمالي كثبوت وجوب الجمعة بخبر الثقة، او استصحاب وجوب الجمعة الذي كان ثابتاً في عصر الحضور، فمع المنجز لأحد الطرفين لا منجزية للعلم الاجمالي، والوجه في ذلك:

انه يعتبر في منجزية العلم الاجمالي قابلية كل طرف لان يتنجز به مع غمض النظر عن وجود الطرف الآخر، فإذا افترضنا ان احد الطرفين متنجزٌ كوجوب الجمعة فهذا الطرف لتنجزه لا يقبل ان يتنجز بالعلم الاجمالي بناءً على عن المتنجز لا يتنجز، فانّ ذلك من قبيل تحصيل الحاصل.

نعم سيأتي المناقشة في هذا المبنى وانه لا مانع من اجتماع منشأين للمنجزية، فالمنجزية: هي حكم العقل بلابدية الفعل استناداً الى منشأين، وهذا لا مانع منه عقلاً ولكن هذه الجهة مشتركة بين مسلك العلية والاقتضاء.

الامر الثالث: من جهة وجود المانع هل تقبل منجزية العلم الاجمالي التخلف لوجود مانع؟ والمانع تارة يكون هو الشّك، وتارة غيره كالاضطرار مثلا.

فلو كان المانع غير الشك كالاضطرار، كما لو علم المكلف اجمالاً بنجاسة احد المائعين او حرمته ولكنه مضطر لشرب أحدهما فإنّ هذا الاضطرار مانع من المنجزية في سائر الاطراف على كلا المسلكين، فاضطراره للجامع مانع من انبساط المنجزية على كلا الطرفين، لأنَّ ما يختاره المكلف لرفع اضطراره ان كان هو النجس واقعاً فهو مباح لأجل الاضطرار، وان لم يكن هو النجس واقعاً فلا اشكال في شربه، فالاضطرار مانع من انبساط المنجزية على جميع الاطراف على كلا المسلكين العلية والاقتضاء.

وانما البحث في المانع الاول وهو الشك، فهل ان الشك التفصيلي يصلح ان يكون مانعا من المنجزية، فإذا علم المكلف اما بوجوب الظهر او الجمعة فوجوب الجمعة مشكوك شكا تفصيليا فهل هذا الشك مانع من المنجزية ام لا، وهنا جوهر البحث بين القائلين بالعلية والقائلين بالاقتضاء.

والكلام في الشك التفصيلي من جهتين: هل يصلح ان يكون مانعاً من المنجزية عقلاً، وهل يصلح ان يكون مانعاً من المنجزية شرعا؟.

اما في الجهة الاولى فأيضاً لا فرق بين المسلكين في ان الشك التفصيلي لا يصلح للمانعية عقلاً إذ لو كان الشك التفصيلي مانعاً عقلاً لما تنجز العلم الاجمالي ابداً حيث ان العلم الاجمالي دائماً متقوم بوجود شك في الاطراف وهذا هو معنى عدم جريان البراءة العقلية.

وانما الكلام في ان الشك هل يصلح مانعاً شرعاً ام لا، وهذا هو لبُّ البحث، حيث ان القائل بالعلية، كالعراقي والاصفهاني يقولان: لا يعقل ان يكون الشك في احد الطرفين سببا لترخيص الشارع، بحيث يكون مانعا من انبساط المنجزية، والوجه في ذلك:

انّ الشك في كل طرف موضوع لقاعدة الاشتغال إذ بعد ان علم المكلف بوجود نجس يحرم تناوله بين هذين اللحمين فمقتضى الاشتغال اليقيني بذلك المحرم الفراغ اليقيني فبعد حكم العقل بتاً بأنه لابد من الفراغ اليقيني فلا يعقل في مقابله ان يقول له المشرع انا اعترف ان ذمتك اشتغلت يقينا بالحرام من أحد اللحمين ولكن لا يلزمك الفراغ اليقيني، الا ان يعتبر الطرف الآخر امتثالاً فيتصرف في مقام الامتثال، مثلا: إذا علم المكلف تفصيلاً بوجوب الظهر وصلّى وشك بعد الصلاة هل انه ترك ركوعاً ام لا جرت في حقه قاعدة الفراغ مع ان المورد مورد الاشتغال.

وانما جرت لأنها تصرف في مقام الامتثال إذ الشارع قال ما اتيت به اعتبرته امتثالاً فحصل به الفراغ. اما لو اردنا في هذا الفرض اي فرض الشك في انه ركع ام لا على فرض عدم جريان قاعدة الفراغ ولو لان المكلف كان غافلا جزما حين العمل، فهل تجري البراءة الشرعية بأن يقول الشارع: إذا شككت في وجوب اعادة الصلاة فيشملك «رفع عن امتي ما لا يعلمون»، فيقولون هذا غير معقول، وهذا خلف حكم العقل بان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

فلا يعقل الترخيص الشرعي في بعض اطراف العلم الاجمالي كأطراف التفصيلي ما لم يكن الترخيص تصرفاً في الامتثال.

ولكن القائلين بالاقتضاء كالمحقق النائيني يقولون: لا مشكلة في ان يرخص الشارع في احد اطراف العلم الاجمالي بلا حاجة للتصرف في الامتثال، والوجه في ذلك:

ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، غايته انه حكم عقلي تعليقي اي انه معلق على عدم صدور شيء من الشارع، فان قوله الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني انما تم للشارع نفسه إذ لولا كون هذا التكليف من الشارع لما حكم العقل بان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ فإذا تصدى صاحب الحق نفسه وقال رخصت لك في احد الاطراف فإن حكم العقل بلزوم الفراغ اليقيني ينتفي بانتفاء موضوعه.

ولذلك وقعت الثمرة بين المسلكين فيما إذا كان لأحد الطرفين خطاب مختص، مثلاً إذا علمت اجمالا اما بنجاسة الماء او التراب ولا يوجد طهور غيرهما فأصالة الطهارة في كل منهما متعارضة، ولكن بالنسبة للماء يوجد أصل مختص لا يأتي في التراب وهو اصالة الحل فإن مقتضى اصالة الحل جواز شرب هذا الماء وهذا لا يأتي في التراب فبجريان اصالة الحل في الماء دون معارض بالتراب ينحل العلم الاجمالي على مسلك الاقتضاء فيجوز شرب الماء ولكن يبقى العلم الاجمالي منجزا في التراب، فهذه الثمرة انما تتم بناءً على القول بالاقتضاء.

واما بناءً على العلية التامة فالقائلون يقولون: نفس العلم الاجمالي يمنع من جريان الاصل في احد الطرفين ولو كان خطابا مختصاً.

هذا تمام الكلام في بيان الفارق بين مسلك العلية والاقتضاء، ثم نشرع في تحرير هذه المسالك:

المسلك الأول: مسلك العلية الذي قال به المحققان العراقي والاصفهاني. اما صياغة المحقق العراقي: وهذه الصياغة لها تصويرات لاختلاف كلماته بين المقالات ونهاية الافكار:

التصوير الأول: ما ذكره في نهاية الافكار ويتم برسم امور:

الاول: ان العلم الاجمالي ليس انكشافا للجامع كما يقول النائيني، بل العلم الاجمالي تعلق بالجامع المشير الى واقع معين، وان كان هذا الواقع المعين مرددا في نظر القاطع الا ان القاطع يعلم انه معين واقعاً، فلأجل ذلك يكون العلم الاجمالي علما بالواقع المعين بحيث يكون الفرق بين هذه الصورة وهي صورة نجاسة احد الإنائين وبين الواقع هو الفرق بين الإجمال والتفصيل فقط، ولذلك لو انكشف الواقع لو علمت ان النجس هو الاناء الازرق لانطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل بتمام شراشره إذ له ان يقول هذا هو نفس معلومي بالإجمال، لا انه ينطبق على جزء منه فيقول كنت اعلم بالجامع، والجامع احد الجزئين من هذا المعلوم التفصيلي لان المعلوم التفصيلي جامع وخصوصية بل الصحيح ان المعلوم التفصيلي متطابق مع المعلوم الاجمالي.

الامر الثاني: ان الخارج كنجاسة هذا الاناء وان كان معلوماً بالعرض، لان المعلوم بالذات هو الصورة، الا ان المنجزية تسري الى الخارج ولا تقف على الصورة بل المتنجز هو الواقع وليس الصورة، لشهادة الوجدان بانه لو لم يكن هناك حكم في الواقع لانتفت المنجزية بانتفاء موضوعها فكان ما تتصوره تخيلاً للمنجزية لا انه منجز فالمتنجز الحكم الواقعي وليس الصورة غاية الامر ان تنجز الحكم الواقعي في حق المكلف مشروط بتعلق العلم به تفصيلاً او اجمالاً.

الامر الثالث: لازم ما ذكرناه ان العلم اصاب الواقع والمتنجز هو ذلك الواقع، أنَّ المكلف إذا علم ان الواقع المتنجز موجود في الطرفين اما الظهر او الجمعة إذا فكل طرف منهما شبهة مصداقية للواقع المتنجز ومقتضى ذلك الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ولا فرق في هذه الجهة بين العلم التفصيلي والاجمالي.

فان قلت: ان الواقع معلوم بالعرض وليس معلوماً بالذات، بل المعلوم بالذات هو الصورة والمفروض ان ما علم به باقرار العراقي هو الجامع واما الخصوصية اي خصوصية الواقع فهي محتملة فما يجزم به العالم هو العلم بالجامع اي نجاسة احدهما اما خصوصية النجس فهي مجهولة فلأجل ذلك بما ان المعلوم بالذات هو الجامع لا الخصوصية فهي مشكوكة فلأجل ذلك لا ينطبق المعلوم بالإجمال على الواقع المحتمل كي يقال بتنجز الواقع.

قلت: ذكرنا مراراً ان العناوين على قسمين عناوين ذاتية كعنوان الانسان لا تنطبق الا على جزء من الموجود الخارجي حيث ان من في الخارج انسان وخصوصية وعناوين عرضية تنطبق على الواقع الخارجي بتمام شراشره مثل عنوان الشيء والفرد والمصداق ومن تلك العناوين عنوان الأحد فإذا علم المكلف بنجاسة احد الانائين فالمعلوم هو الأحد والأحد عنوان حاك عن الواقع بتمام شراشره فالعلم به علم بالواقع بتمام شراره فلأجل ذلك تنجز به الواقع ومقتضى تنجز الواقع به ان كل طرف شبهة مصداقية له فتاتي قاعدة الاشتغال.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 45
الدرس 47