نص الشريط
الدرس 105
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/5/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2636
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (345)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

وأورد عليه بالنقض والحل:

أما النقض: فلأنّ لازم كلامه جريان التعارض بين الأدلة وذلك بتقديم الأقوى منهما ظهوراً على الآخر، حيث إنَّ الاظهر قرينة على الظاهر فإذا كان مبنى السيد الشهيد «قده» ان هناك تعارضا بين إطلاق دليلي الأصلين غير المتسانخين فمقتضى ذلك تطبيق احكام التعارض على دليلي الأصلين فيقدم الأقوى منهما ظهوراً على الآخر وهذا مما لم يقل به أحد.

كما أنّ لازم كلامه: من ان دليل الأصل له مدلول مطابقي وهو الترخيص في مورده ومدلول التزامي وهو الالزام بالطرف الآخر فلازم كلامه ان يفتي الفقيه بالإلزام في الطرف الآخر إذا خلى عن أصل شرعي مرخص ومنجز، مثلاً: إذا علم اجمالا اما بعدم أداء صلاة الفجر أو بخلل في صلاة الظهر لا يمكن علاجه، لا بقاعدة الفراغ ولا بغيرها اما لأنّ الالتفات للخلل أثناء الصلاة واما لأنّه كان غافلا اثناء الصلاة فلم يكن مجرى لقاعدة الفراغ، فحينئذٍ يوجد أصل ترخيصي للطرف الاول وهو الشك في أداء صلاة الفجر وهو قاعدة الحيلولة بينما الطرف الثاني وهو الشك في الخلل اثناء الصلاة لا يوجد فيه أصل شرعي لا مؤمن ولا منجز، وليس إلّا الأصل العقلي وهو قاعدة الاشتغال ومن الواضح ان الأصل العقلي تعليقي، أي ان حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني في هذه الصلاة معلق على عدم ورود بيان من الشارع يعالج حالها، فإذا قلنا بأنّ الأصل الجاري في الطرف الاول وهو قاعدة الحيلولة له مدلول التزامي، وهو الالزام بالطرف الثاني إذاً بإمكان الفقيه ان يفتي بالإلزام بإعادة الصلاة شرعا لوجود بيان من الشارع بالإلزام وهو المدلول الالتزامي لقاعدة الحيلولة وهذا مما لا يمكن المصير اليه فلو سلمنا بكلامه للزم من ذلك لوازم لا يمكن الالتزام بها.

أمّا الحل: فإن مبنى كلامه على دعوى التكاذب بين دليلين دليل قاعدة الحيلولة ودليل قاعدة الفراغ بلحاظ المدلول الالتزامي فإن دليل الحيلولة بمدلوله الالتزامي أنّ الطرف الثاني ملزم به وهذا يتنافى مع جريان قاعدة الفراغ وكذا العكس، فهناك تكاذب بين الدليلين بلحاظ المدلول الالتزامي، وهذا المبنى غير صحيح لأنّ التعارض في باب الأصول العملية الجارية في أطراف العلم الاجمالي ليس من باب التكاذب بين الأدلة المبني على الملازمة أو المدلول المطابقي بل التعارض بين الأصول العملية في أطراف العلم الاجمالي راجع إلى أنّ جريان الأصلين في الطرفين معا ترخيص في المخالفة القطعية وجريانه في أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح، فإنّ مرجع التعارض إلى هذا لا إلى التكاذب كما افاد. هذا ما اشكل عليه مقرر بحثه.

ولكن ما اشكل به غير وارد؛ والسر في ذلك: أنّ منظور السيد الشهيد لا إلى دعوى التعارض الاصطلاحي بين دليلي الاصلين أي دليل قاعدة الحيلولة والفراغ حتّى يقال ان هناك لوازم تترتب على التعارض... الخ. وبيان ذلك:

أنّ التنافي بين الأحكام: تارة يكون تعارضا، وأخرى تزاحما، وثالثة يكون تمانعا في مرحلة الفعلية، فإذا كان التنافي بين الأحكام راجعا إلى التكاذب بين الأدلة في مقام الإثبات والحكاية عن عالم المجعول الشرعي فهذا هو ميزان التعارض فإن مرجع التعارض إلى التكاذب بلحاظ الحكاية عما هو المجعول الشرعي سواء كان تكاذبا بالذات أو بالعرض، ومن الواضح ان أدلة الأصول العملية - والسيد الصدر يلتزم بذلك - لا تتكلم ما هو المجعول فتتكاذب في تحدديه وتعيينه وانما حصل التنافي بينها في مقام فعليتها في أطراف العلم الاجمالي، لا ان هناك تكاذبا بين ادلتها.

وأما التنافي المعبر عنه بالتزاحم: فهو عبارة عن تجاذب الأدلة في موضوع واحد فلابّد من فرض موضوع واحد تتجاذبه الأدلة بحيث يصبح هذا الموضوع الواحد محققا لفعلية ألف ولفعلية باء كما في تجاذب ازل النجاسة وأدِّ الصلاة للقدرة، حيث إنَّ المكلف لديه قدرة واحدة، فالدليلان وهما: «ازل النجاسة» و«اقم الصلاة» يجاذبانها لصلاحيتها لتحقق الفعلية لأي منهما فهذا ما يعبر عنه بالتزاحم والمفروض في محل كلامنا ان لا يكون موضوع واحد بل موضوعان: الشك في أداء صلاة الفجر، والشك في صحّة الظهر، غاية الامر علم من الخارج انه أحدهما باطل.

ولكن، المتحقق في المقام هو التمانع؛ والمقصود به: ان يكون أحد الحكمين مانعا من فعلية الآخر، فإذا كان أحد الحكمين بفعليته لا بالنظر إلى مقام جعله فإذا كان فعلية أحد الحكمين مانعة من فعلية الآخر وبالعكس فهذا ما يعبر عنه بالتمانع فليس هو من قبيل تعارض الأدلة كي تجري احكام التعارض وليس هو من قبيل التزاحم كي تجري احكامه وانما هو تمانع بين الأحكام، كما ذكر السيد الشهيد: انه إذا حصل علم إجمالي أما ترك الفجر أو بالإخلال بصلاة الظهر فالمرتكز العقلائي يقول: ان لو صار الترخيص في أحد الطرفين فعليا امتنعت فعلية الترخيص في الطرف الآخر فالمرتكز العقلائي يرى تمانعا بين الترخصين فمتى ما كان الترخيص في أحد الطرفين فعليا امتنعت فعليته في الطرف الآخر إذ لا يعقل فعلية ترخيصين مع علم بغرض لزومي لأنّ المولى لا يضحي بغرض لزومي لأجل ترخيصي، فبناء على هذا المرتكز يدخل المقام بالتمانع ولا يشكل عليه بأحكام التعارض.

وأمّا النقض الآخر: وهو دعوى لازم هذا الكلام ان يفتي الفقيه بالإلزام في الطرف الآخر إذا خلى من أصل منجز أو مؤمن فهذا ليس واردا؛ والسر في ذلك:

تارة يدعي السيد الشهيد ان للأصل مدلولا التزاميا ايجابيا أي ان دليل قاعدة الحيلولة في أطراف العلم الاجمالي له مدلولان ايجابيان: احدهما: مطابقي وهو الترخيص في ترك القضاء.

والآخر: إلتزامي وهو الالزام بإعادة صلاة الظهر. فهنا قد يرد عليه الاشكال بأن لازم هذا الكلام ان يفتي الفقيه بعد وجود مدلول الالتزامي بالإلزام بصلاة الظهر اما إذا كان مدعى السيد كما هو ظاهر كلامه ان المدلول الالتزامي ان لا يجتمعا في الترخيص لا ان هناك الزاما بالطرف الآخر، فهو يقول: إذا حصل علم اجمالي بغرض لزومي فلا محالة لا يمكن ان يجتمع الترخيصين في الطرفين فلو كان ترخيص فعلي في احدهما فلا يعقل فعلية الترخيص في الطرف الآخر لا ان هناك مدلولا التزامي إيجابيا وهو الإلزام الشرعي بالطرف الآخر غايته عدم فعلية الترخيص الشرعي في الطرف الآخر لا الإلزام الشرعي. وعدم الترخيص الشرعي يجتمع مع حكم العقل بقاعدة الاشتغال بالنتيجة إذا كان الاشكال على السيد الشهيد بأنه لازم كلامك ان يفتي الفقيه بالإلزام بالطرف الآخر فهذا ليس لازم كلامه لأنّه لا يدعي ان هناك مدلولا التزامي ايجابيا وان كان الاشكال عليه ان لازم كلامك ان لا يفتي الفقيه بالترخيص في الطرف الآخر فهذا مسلم وهو الصحيح وهو المطابق للمرتكز. إذاً فالإيراد على السيد الشهيد غير تام.

الملاحظة الثانية: على كلام السيد الشهيد: بأنّه لا حاجة لنا ان ندعي ارتكازا متولدا عن الإرتكاز العقلائي أو لازما له، بل يكفينا ان نقول ان الارتكاز العقلائي القائم على عدم التضحية بالغرض اللزومي لأجل غرض ترخيصي مانع من انعقاد الاطلاق الاحوالي لدليل الترخيص ولو كانا من سنخين حيث إنَّ لدينا دليلين دليل قاعدة الحيلولة ودليل قاعدة الفراغ ولكل من الدليلين اطلاقان اطلاق افرادي واحوالي ولا كلام في الافرادي فإن دليل قاعدة الحيلولة بإطلاقه الأفرادي يشمل الطرف الأول ودليل الفراغ بإطلاقه الافرادي يشمل الطرف الثاني وانما الكلام في انعقاد الاطلاق الأحوالي وهو عندما شمل دليل قاعدة الفراغ الطرف الثاني هل ان مقتضى اطلاقه الأحوالي ان لا يجب اعادة الصلاة ولو لم تقض صلاة الفجر، فإن شمول دليل الأصل لأطراف العلم الاجمالي مع التحفظ على اطرافه الاحوالي لازمه فعلية مفاده وهو الترخيص مع الترخيص في الطرف الآخر وهذا هو المنافي للمرتكز العقلائي بأن يقال مقتضى الاطلاق الاحوالي لدليل قاعدة الفراغ الترخيص في ترك اعادة الظهر حين ترك قضاء صلاة الفجر وحينئذٍ ومقتضى هذا الاطلاق الاحوالي التضحية بالغرض اللزومي فيكفينا نفس هذا الإرتكاز في منع شمول أدلة الأصول العملية لأطراف العلم الاجمالي وان كانت من سنخين بلا حاجة إلى ما ادعاه المشكل عليه من ان الإرتكاز يتصرف في دليل حجية الظهور وان ندعي ان لهذا الارتكاز لازما يؤثر في التمانع بين الحكمين بل هناك في رتبة سابقة يسقط الاطلاق الاحوالي لكل من الدليلين بمقتضى احتفافه بهذا المرتكز.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 104
الدرس 106