نص الشريط
الدرس 106
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 25/5/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2579
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (271)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الملاحظة الرابعة: على ما ذكر في الثمرة ما تعرض له الشيخ الأستاذ، وبيانه بتقريب: ان يقال: بأن النزاع بين القائلين بتعارض الأصول العملية في أطراف العلم الاجمالي والقائلين بعدم التعارض نزاع لفظي، والوجه في ذلك انّ القائلين بعدم تعارض الأصول يقولون ان الأصول العملية هي بنفسها أحكام ظاهرية، فالبراءة والاستصحاب وقاعدة الفراغ وامثالها هي بنفسها احكام لا أدلة عليها، فبما انها احكام ظاهرية هي عبارة عن المعذرية أو المنجزية في فرض الشك في الحكم الواقعي فلا يعقل التعارض بينها لان التعارض إنّما يتصور في مقام الحكاية عن الواقع، وأما ما كان هو بنفسه حكما لا حاكيا عن الواقع فالتعارض فيه غير معقول، لذلك إذا عبر بتعارض الأصول فهو مسامحي يراد به حكم العقل بانه لا يعقل فعلية كلا الترخيصين في أطراف العلم الاجمالي لاستلزامه القبيح وهو الترخيص في المخالفة القطعية.

واما القائلون بتعارض الأصول في أطراف العلم الاجمالي فمقصودهم تعارض أدلة الأصول لا نفس الأصول أي ان دليل قاعدة الحيلولة يعارض دليل قاعدة الفراغ، مثلاً والوجه في ذلك: ان الدليلين يتنافيان في تحديد الوظيفة العملية في أطراف العلم الاجمالي، وبعبارة أخرى: ان التعارض بين الادلة تارة يكون بالذات، وأخرى بالعرض، فالتعارض بالذات ما كان تكاذبا بين الدليلين على نحو التناقض أو التضاد، والتكاذب بالعرض لوجود منشأ خارجي يوجب تكاذب الدليلين، مثلاً ما دلّ على وجوب الجمعة تعييناً وما دلّ على وجوب الظهر يوم الجمعة تعييناً لا تكاذب بينهما بالذات لا على نحو التناقض ولا على نحو التضاد ولكن لما علم من الخارج ان لا فريضتين في وقت واحد صار ذلك منشأ لتكاذب الدليلين بالعرض فدخلا بالتعارض كذلك في أطراف العلم الإجمالي إذا علم اجمالا اما بعدم اداء صلاة الفجر أو بخلل في صلاة الظهر فإن دليل قاعدة الحيلولة ودليل قاعدة الفراغ ليسا متكاذبين لا بالتناقض ولا بالتضاد ولكن العلم الإجمالي بفوت احدى الصلاتين اما الفجر أو الظهر اوجب تعارض الدليلين بالعرض لان نتيجة هذا العلم الاجمالي العلم بأن اطلاق احد الدليلين ساقط لا محالة فحصل تعارض بين دليلي قاعدة الحيلولة وقاعدة الفراغ بالعرض.

إذاً من ينكر تعارض الأصول قصر النظر على الأصول ومن يقول بالتعارض نظر الى أدلة الأصول التي هي من قسم الامارات لا الأصول، ولكن قد يترتب على هذا لوازم منها تقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب في بعض الموارد وانحلال العلم الاجمالي.

بيانه: في المثال المعروف الذي تعرض له سيد العروة، وهو ما إذا كان المكلف جنبا وصلى وبعد الفراغ من الصلاة احد بالأصغر، وبعد ان احدث بالأصغر شك بأنه اغتسل عن الجنابة قبل صلاته أم لا، ففي هذا الفرض يتولد لدى هذا المكلف علم اجمالي منجز فانه ان كان قد اغتسل عن الجنابة فصلاته صحيحة ويجب عليه الوضوء للصلاة الاتية بمقتضى انه احدث بالأصغر.

وإن كان لم يغتسل عن الجنابة إذا فصلاته الماضية فاسدة، فمقتضى ذلك: ان يغتسل ويعيد الصلاة أو يقضيها، فلديه علم بأنّه مخاطب إما بإعادة الصلاة الماضية ان كان جنبا أو بالوضوء للآتية ان لم يكن جنبا، وقاعدة الفراغ تؤمنه من وجوب اعادة الصلاة الماضية واستصحاب الجنابة يؤمنه من وجوب الوضوء للصلاة الآتية لأنّ الجنابة من آثارها الشرعية عدم وجوب الوضوء فإن الجنب كما يجب عليه الغسل لا يجب عليه الوضوء فاستصحاب الجنابة ينفي وجوب الوضوء. إذا: يقع التعارض بين دليل قاعدة الفراغ ودليل الاستصحاب حيث إنَّ دليل قاعدة الفراغ مؤمن عن اعادة الصلاة ودليل الاستصحاب ناف لوجوب الوضوء وبما ان المكلف يعلم اجمالاً انّ احد الاطلاقين لاحد الدليلين ساقط لا محالة للعلم الاجمالي فيقع التكاذب بينهما بالعرض.

فلو قلنا: ان المنظور في باب العلم الاجمالي أدلة الأصول لا نفس الأصول.

فيقال: في هذا المثال بتقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب، وذلك لما قرر في أواخر بحث الاستصحاب من ان قاعدة الفراغ بمثابة الاخص بالنسبة لدليل الاستصحاب لأنّه لو قدم الاستصحاب على قاعدة الفراغ عند اجتماعهما لم يبق لها الا مورد نادر وهو فرض تعارض الاستصحابين بخلاف ما لو قدمنا قاعدة الفراغ على الاستصحاب فإن له موارد كثيرة وليست قليلة، فلأجل ذلك تكون نسبة قاعدة الفراغ الى الاستصحاب بمثابة الاخص فتقدم عليه.

ومقتضى تقديمها عليه في محل الكلام انحلال العلم الإجمالي وبيان ذلك ان استصحاب الجنابة له اثران أثر وهو وجوب الغسل وأثر وهو الطرفية للعلم الاجمالي، فبلحاظ اثره الاول وهو وجوب الغسل ليس معارضا لقاعدة الفراغ ابدا فانه لا منافاة بين جريان قاعدة الفراغ في الصلاة الماضية فلا يجب اعادتها وجريان استصحاب الجنابة لأجل الغسل في الصلوات الآتية فمن لم يعد الماضية واغتسل للآتية لم يخالف الواقع فلا تنافي بينهما بلحاظ هذا الأثر، والخاص انما يقدم على العام في موطن التنافي لا مطلقا.

بيان ذلك: انه إذا قال المولى: «اكرم كل عالم»، وقال: «لا تكرم زيدا العالم»، وكان لزيد العالم عليك دين فإن الخاص يتنافى مع العام في وجوب الاكرام لا في الآثار الأخرى، فيقال: بما ان العام والخاص يتنافيان في وجوب الاكرام فالخاص يقدم على العام في موطن التنافي واما وجوب الدين لزيد فلا يسقط لأجل كون قوله لا تكرم زيدا خاص، فالخاص يقدم على العام في موطن التنافي لا في جميع آثار الخاص، فلأجل ذلك: حيث إنَّ استصحاب الجنابة له اثران أثر وهو وجب الغسل لا ينافي فيه قاعدة الفراغ فيبقى على هذا الأثر وأثر وهو الطرفية للعلم الاجمالي حيث إنَّ هنا فرضين فرضاً ان المكلف بعد فراغه من الصلاة شك في انه اغتسل عن الجنابة أم لا ولم يحدث بالأصغر فهنا يجري قاعدة الفراغ فيما مضى بلا معارض ويغتسل لما اتى بمقتضى استصحاب الجنابة.

الصورة الثانية: ان يحدث بالأصغر ثم يحصل له الشك ففي هذا الفرض بمجرد ان يحدث بالأصغر يحصل له علم اجمالي انه اما ان يعيد الماضي ان كان جنبا أو يتوضأ للآتية ان لم يكن جنبا فلأجل حصول العلم الاجمالي بسبب الحدث الاصغر صار استصحاب الجنابة طرفا للعلم الاجمالي فهنا حصل التنافي بين استصحاب الجنابة وقاعدة الفراغ فمقتضى تقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب لكونها بمثابة الاخص انحلال العلم الإجمالي من دون ان تتعرض قاعدة الفراغ لوجوب الوضوء نفيا أو اثباتا لأنّه ليس من اثارها فقط اثرها انحلال العلم الاجمالي فلا يجب عليه اعادة الصلاة الماضية إذا لو قلنا بأن المنظور اليه هو أدلة الأصول لا نفس الأصول لقلنا في المورد بانحلال العلم الاجمالي بخلاف ما لو قلنا ان المنظور هو الأصول نفسه لا ادلتها فيقال ان قاعدة الفراغ معارضة باستصحاب الجنابة ومقتضى المعارضة تنجز العلم الاجمالي.

إلّا ان يقال أنّه لا أثر لذلك أي سواء نظرنا للأصول أم لأدلة الأصول، فإن النتيجة لا تتغير؛ والوجه في ذلك: انه على أي حال يبقى استصحاب الجنابة طرفا لعلم اجمالي اخر فيحصل التعارض مرة اخرى؛ والسر في ذلك: ان المكلف لما انحل العلم الاجمالي الاول ببركة تقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب فلم يعد الصلاة الماضية وحيث لا دليل على وجوب الوضوء في حقه اغتسل للصلاة الاتية ولم يتوضأ فإذا اغتسل للصلاة الآتية وصلى علم اجمالا ببطلان إحدى الصلاتين، فإنه ان كان جنبا في الواقع إذاً فصلاته الماضية فاسدة، وإن لم يكن جنبا في الواقع والمفروض انه كان محدثا بالأصغر فصلاته الأخرى باطلة لأنّه شرعها أو صلاها بلا وضوء فمقتضى العلم الاجمالي ببطلان احدى الصلاتين حصول التعارض بين قاعدة الفراغ ولدليل الاستصحاب، وقلنا: بأن قاعدة الفراغ أي دليلها انما يتقدم على الاستصحاب في موطن التنافي ولا تنافي بينهما من حيث وجوب الغسل فإذا لم يكن بينهما منافاة من حيث وجوب الغسل فلا موجب لتقدم دليل قاعدة الفراغ على دليل الاستصحاب وان كان بالنسبة اليه بمثابة الاخص.

إذاً: فسواء وقفنا على نفس الأصول أم نظرنا الى أدلة الأصول لن تتغير النتيجة فيما هو محل الكلام.

هذا تقريب كلام الشيخ الأستاذ «قده» تعليق على هذه الثمرة.

التعليقة الخامسة: أننا ذكرنا أنه قد يقال: بأن من الثمرات المرتبة على هذه الثمرة مسألة جريان الأصل الطولي وهذا مما يحتاج الى التنقيح. وبيانه:

أننا تارة نقول بأن المحذور في جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي محذور ثبوتي، فحينئذٍ لا فرق بين كون الأصول من سنخ أو سنخين، فكما لا تجري الأصول من سنخ واحد لا تجري في أطراف العلم الاجمالي ولو كانت من سنخين لنفس النكتة وهي ان العلم الإجمالي المنجز بنفسه مانع، واما إذا قلنا بأن المحذور اثباتي لا ثبوتي أي ان أدلة الأصول انما لا تجري في أطراف العلم الاجمالي لاحتفافها بارتكاز عقلائي قائم على ان لا يرفع اليد عن غرض لزومي معلوم بغرض ترخيصي، وبناء على هذا المانع الاثباتي قال صاحب الثمرة ان هذا المانع يخص ما إذا كانت الأصول من سنخ واحد، اما إذا كان لكل طرف أصل يختص به أي ان هناك دليلين فبما ان كلا من الدليلين لا يشمل الطرف الآخر فالارتكاز العقلائي ليس مؤثراً عليه، ونتيجة ذلك: انه يجري الدليلان والاصلان في الطرفين معاً فدليل قاعدة الحيلولة يجري في صلاة الفجر ودليل قاعدة الفراغ يجري في صلاة الظهر. فإن قلنا: ان العلم الاجمالي انتفى فحينئذٍ لا مانع من الالتزام بالترخيص في كلا الطرفين فلا يعيد ولا يقضي صلاة الفجر، فإن منجزيته فرع التعارض ولا تعارض فلا منجزية وإن قلنا بأنّ هذا الكلام غير تام، فلأجل ذلك: وجود العلم الإجمالي بأنّ إحدى الصلاتين فإنه على كل حال هذا العلم الاجمالي أوجب التعارض بين هذين الدليلين فهما وإن جريا ولكن في طول ذلك تعارضا فهنا تأتي ثمرة الأصل الطولي، بناءً على مسلك سيدنا الذي يقول: بانحلال العلم الاجمالي بالأصل الطولي، فيقال: لو كان لدلينا لحمان أحدهما نجس لا حرام والآخر حرام لا نجس لكونه مغصوبا مثلاً فإذا علمنا بذلك وكان الأول في نفسه مورداً لاستصحاب الطهارة، فيقال: إنّ استصحاب الطاهرة في ألف معارض لأصالة الحل في باء، وبعد تساقطهما تصل النوبة لأصل طولي في الف وهو أصالة الطهارة فينحل العلم الاجمالي فانحلال العلم الإجمالي بالأصل الطولي إنما يتصور على مسلك السيد الخوئي على المبنى الثاني في منجزية العلم الإجمالي وهو القول بالاقتضاء وكون المانع إثباتيا.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 105
الدرس 107