نص الشريط
الدرس 107
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 26/5/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2576
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (380)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام إلى الثمرة الرابعة، وهي: انحلال العلم الاجمالي بالخطاب المختص. وبيانه:

أنّه إذا كان في مورد العلم الاجمالي خطابان خطاب مشترك وآخر مختص مثلاً لو علم إجمالاً، اما بنجاسة الماء أو التراب، فهنا خطاب مشترك وهو أصالة الطهارة وخطاب مختص وهو أصالة الحل الجارية في الماء دون التراب إذ لا معنى لتحليل التراب، ففي مثل هذا المورد هل تسقط أصالة الطهارة بتعارضها في طرفي العلم الإجمالي وينحل العلم الإجمالي حكما بجريان أصالة الحل في الماء فهل ينحل العلم الاجمالي بالخطاب المختص أم لا.

فهنا ذكر السيد الشهيد: انه إذا قلنا ان المانع اثباتي فيتحقق هذا الانحلال بخلاف ما إذا قلنا ان المانع ثبوتي، وبيان ذلك:

إن كان المانع اثباتيا بمعنى ان المانع من جريان الأصل في جميع أطراف العلم الاجمالي هو الإرتكاز العقلائي القائم على ان الغرض اللزومي لا يرفع اليد عنه بغرض ترخيصي.

فبناءً على هذا المانع الاثباتي يقال بإحدى دعويين وردت في كلام السيد الشهيد:

الدعوى الاولى: ان يقال ان مقتضى احتفاف دليل أصالة الطهارة بها المرتكز العقلائي انصرافه عن الشمول لأطراف العلم الاجمالي جميعاً فهو لا يجري في أطراف العلم الاجمالي لاحتفافه بما يوجب انصرافه.

الدعوى الثانية: ان يقال: ان هناك تعارض داخلي بين الاطلاق الاحوالي والاطلاق الافرادي، بيان ذلك: ان لدليل أصالة الطهارة اطلاقين: احوالي وافرادي. اما الاطلاق الاحوالي: فهو عبارة عن انك مرخص في استعمال الماء وان استعملت التراب فهذا مقتضى الاطلاق الاحوالي لدليل أصالة الطهارة. والاطلاق الافرادي: مفاده انك مرخص في المشكوك في حد نفسه مع غمض النظر عن الطرف الآخر، فلأجل ذلك يتعارض الاطلاق الافرادي مع الاحوالي بمعنى انه لا يمكن الجمع بينهما وليس المقصود التكاذب الدلالي أي لا يمكن الجمع بين الترخيص في الماء حتّى لفرض استعمال التراب وبين الترخيص في التراب في الجملة، كذلك لا يمكن الجمع بين الترخيص في استعمال التراب حال استعمال الماء مع الترخيص في استعمال الماء ولو في الجملة فالإطلاق الاحوالي لكل منهما لا يجتمع مع أصل الاطلاق الافرادي في الآخر ونتيجة هذا التمانع بحسب تعبيره حصول الاجمال بحيث يكون دليل أصالة الطهارة في المقام مجملا فإذا سقط دليل أصالة الطهارة في الطرفين معا لانصرافه أو لإجماله جرت أصالة الحل في طرف الماء بلا مانع.

وهذا هو معنى انحلال العلم الإجمالي حكما بجريان الأصل في أحد طرفيه واما الطرف الآخر وهو التراب فهو مجرى لقاعدة الاشتغال حيث إنَّ الترخيص يحتاج إلى أصل مؤمن ومقتضى الاشتغال اجتنابه هذا إذا كان المانع إثباتيا.

واما إذا كان المانع ثبوتيا: فقد افاد: ان المانع الثبوتي على نحوين فإذا كان هذا المانع الثبوتي واضحا بديهيا إذاً فشأنه شأن المانع الاثباتي لأنّ وضوحه يقتضي احتفاف دليل أصالة الطهارة به فيوجب انصراف الدليل أو اجماله وحينئذٍ تجري أصالة الحل في طرف الماء بلا مانع.

وأما إذا كان هذا المانع الثبوتي مانعا عقليا نظريا لا بديهيا واضحا: فحينئذٍ يقع التعارض بين الدليل المشترك والمختص ولا موجب لانحلال العلم الاجمالي بالخطاب المختص، بل نقول بأن شمول دليل أصالة الطهارة للتراب معارض لشمول دليل أصالة الحل للماء ودليل أصالة الطهارة أيضاً فأصالة الطهارة في التراب معارض لأصلين في جانب الماء ولا موجب لانحلال العلم الاجمالي فإن الموجب لانحلاله ان لا تجري أصالة الطهارة اصلا اما إذا كانت تجري أي ان المقتضي لجريانها قائم والمانع هو جريان الأصل الآخر إذا بالنتيجة المقتضي لجريان أصالة الطهارة في التراب قائم والمانع منه جريان أصالة الطهارة في الماء واصالة الحل فلا مرجح حينئذٍ والجميع في كفة واحدة.

هذا ما أفاده «قده» وما أفاده في المانع الإثباتي على مبانيه متين، ولكن ما أفاده في المانع الثبوتي محل تأمل، والسر في ذلك: نه اما ان يكون المقصود بالمانع الثبوتي منجزية العلم الإجمالي كما هو مسلك القائلين بالعلية أو يكون المقصود بالمانع الثبوتي حكم العقل بقبح الترخيص بالمخالفة القطيعة فإن كان المقصود بالمانع الثبوتي هو نفس منجزية العلم الاجمالي فلا فرق أي سواء كان هذا المانع الثبوتي نظريا أو كان بديهيا فإن العلم الاجمالي مقتضى عليته ان لا يجري أصل في اطرافه حتّى لو كان خطابا مختصا فإن مقتضى العلية التامة للعلم الاجمالي للمنجزية ان لا يجري ترخيص في اطرافه مشتركا أو مختصا كان المانع الثبوتي بديها أو نظريا لأن المدار ليس على التعارض كي يقال سقط الخطاب المشترك للانصراف فيبقى المختص بلا معارض، بل مقتضى العلية عدم الاعتناء بالمعارضة ونفس العلم الاجمالي مانع من جريان أي ترخيص في اطرافه.

واما إذا كان المقصود بالمانع الثبوتي حكم العقل بقبح الترخيص في الطرفين لأنّه ترخيص في المخالفة القطعية وقبح الترخيص في احدهما المعين فإنه بلا مرجح، فعلى أي حال كان هذا المانع الثبوتي بديهيا أو كان نظريا يجري الخطاب المختص في أحد الطرفين وينحل به العلم الاجمالي لان جريانه بمرجح وليس جريانه بلا مرجح إذ المفروض انه خطاب مختص فسواء قلنا ان هذا المانع الثبوتي بديهي أو نظري غاية الامر على المانع الثبوتي وعلى القول بانه بديهي لم تجر أصالة الطهارة وعلى القول بانه نظري جرت أصالة الطهارة ولكن على أي حال جريان أصالة الحل في الماء جريان بمرجح لا بلا مرجح فينحل به العلم الاجمالي.

الثمرة الخامسة:

قال: قد يقال بأنه: إذا كان في أحد طرفي العلم الاجمالي أصل الزامي حاكم فهل ينحل العلم الاجمالي بالأصل الترخيصي بالطرف الآخر أم لا، مثلا: إذا علمنا اجمالا اما بحرمة هذا اللحم لكونه مغصوبا أو بحرمة هذا اللحم لكونه غير مذكى فهنا يوجد أصل ترخيصي مشترك وهو أصالة الحل ويوجد أصل الزامي حاكم في الطرف الثاني وهو استصحاب عدم التذكية فإن الطرف الثاني في نفسه مجرى لاستصحاب عدم التذكية، فقد يقال: إذا كان المانع اثباتيا فلا انحلال للعلم الاجمالي لان أصالة الحل بمقتضى احتفاها بالمرتكز العقلائي تسقط انصرافا أو اجمالا فإذا سقت أصالة الحل في البين في الطرف الثاني وهو باء يجري أصل الزامي الا وهو استصحاب عدم التذكية وفي الطرف الأول وهو ألف تجري أصالة الاشتغال إذ لا يوجد أصل مؤمن يرفع به اليد عن مجرى قاعدة الاشتغال إذ الأصل المؤمن هو أصالة الحل والمفروض انها قد سقطت اما بالانصراف أو بالإجمال فجريان أصل الزامي في الطرف الآخر لا يعيد الأصل الترخيصي في هذا الطرف لسقوطه ذاتا وحجية، ولكن السيد الشهيد «قده» اجاب عن هذه الثمرة بجوابين:

الاول: قال قد حررنا في ما سبق ان ادلة الاصول العملية الترخيصية مقيدة بمقيد لبي وهذا المقيد اللبي لا ينفك عن دليل الأصل وهو ان دليل الأصل يشمل كل مورد لم يعلم تفصيلا بحرمته وليس طرفا لعلم اجمالي لا يوجد منشأ لاختصاص الترخيص به فكل مورد لم يعلم تفصيلا حرمته وليس طرفا لعلم اجمالي لا يوجد منشأ لاختصاص الترخيص به يجري فيه دليل الأصل والا فلا، مثلا إذا علمنا اجمالا اما بنجاسة هذا أو هذا ولم يكن مرجح لا حدهما فنقول ان دليل الأصل لا يشمل ألف لان ألف طرف لعلم اجمالي لا يوجد منشأ لاختصاص الأصل به لان اختصاص الأصل به ترجيح بلا مرجح فهو طرف لعلم اجمالي لا يوجد منشأ لاختصاص الترخيص به.

اما في محل كلامنا: إذا علم اجمالا اما ألف مغصوب أو باء غير مذكى، إذاً بالنتيجة: جريان استصحاب عدم التذكية في طرف باء نقح صغرى جريان الأصل الترخيصي في طرف ألف لأنّه بجريان الأصل الالزامي في طرف باء اصبح ألف طرف لعلم اجمالي لكن يوجد منشأ لاختصاص الترخيص به لا انه لا يوجد منشأ لاختصاص الترخيص به وهو عدم وجود أصل الزامي فيه وان الأصل الالزامي في الطرف الآخر بحيث لو جرى الأصل الترخيصي فيه وهو أصالة الحل لم يكن جريانه فيه بلا مرجح بل المرجح موجود وهو وجود الأصل الالزامي في الطرف الآخر.

ولكن هذا الجواب منه مبني على ان هذا المقيد اللبي بمثابة من الوضوح بحيث يكون اسبق رتبة من تأثير الإرتكاز العقلائي القائم على عدم التضحية بغرض لزومي لأجل غرض ترخيصي والا لو كان احتفاف الدليل بالارتكاز اوضح لم تصل النوبة إلى ان مقتضى هذا المقيد اللبي تحقق موضوعه بجريان الأصل اللزومي في الطرف الآخر.

الجواب الثاني: قال: لو سلمنا بأنه لا يوجد هذا المقيد اللبي لأدلة الاصول الترخيصية فكذلك في المانع الثبوتي، يأتي الكلام بأن نقول: ان كان المانع الثبوتي بديهيا فلا يجري الأصل الترخيصي في الطرف الأول لأنّ مقتضى كونه بديهيا سقوط أصالة الحل في كلا الطرفين لاحتفافه بهذا المانع الثبوتي البديهي وجريان الأصل الالزامي في الطرف الآخر لا يعيد الحياة لهذا الأصل في الطرف الأول فما قلنا في الطرف الإثباتي نقوله في الثبوتي ان كان بديهيا نعم ان كان المانع الثبوتي نظريا، فقد يقال بالانحلال نظرا إلى ان العلم الاجمالي ليس منجزا على كل حال لوجود منجز في طرفه الثاني وهو استصحاب عدم التذكية والمتنجز لا يتنجز فحيث ان العلم الإجمالي ليس صالحا للتنجيز على كل حال لأن الطرف الثاني متنجز في رتبة سابقة فلذلك يجري الأصل الترخيصي في هذا الطرف وهو اللحم المشكوك غصبيته فتجري فيه أصالة الحل بلا مانع لأن مبنى العلية لا يربط جريان الاصول بالمعارضة.

ولكن هذا مبني على كبرى ان المتنجز لا يتنجز، وإلّا فمع غمض النظر عن هذه الكبرى فمجرد جريان الأصل الالزامي في الطرف الآخر لا يعني جريان الأصل الترخيصي في الطرف الأول بلا مانع بل مقتضى الاشتغال بناءً على المانع الثبوتي عدم جريانه.

تم الكلام في الثمرة الخامسة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 106
الدرس 108