نص الشريط
الدرس 113
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 17/6/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2580
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (519)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام إلى الوجه الثالث، من الوجوه التي اقيمت لإثبات انحلال العلم الاجمالي بالأصل الطولي، وعدم المعارضة بينه وبين الأصل العرضي في الطرف الآخر. ومحصل هذا الوجه:

أنّ لدينا علمين إجماليين، بينهما طرف مشترك والطرف المشترك إذا تنجز بالعلم الاجمالي الأول فلا يعقل تنجزه بالعلم الاجمالي الثاني.

بيان ذلك: إذا حصل لدينا علم اجمالي بنجاسة أحد المائين وكان في ماء ألف أصلان طوليان أحدهما استصحاب الطهارة والثاني اصالتها، وكان في ماء باء أصل واحد وهو أصالة الطهارة، فحينئذٍ يتشكل من هذا العلم الإجمالي علمان إجماليان آخران أولهما العلم الاجمالي بسقوط أحد الأصلين العرضيين أي العلم الاجمالي بأنّه إمّا أصالة الطهارة في باء ساقطة عن الجريان أو استصحاب الطهارة في ألف ساقط، إذ بعد حكم العقل بأن جريان الأصلين معا قبيح لأنّه ترخيص في المخالفة القطعية فلا محالة لابّد ان يسقط أحد الأصلين فيحصل علم اجمالي بأنّه لابّد من سقوط أحد الأصلين كي لا يلزم محذور الترخيص في المخالفة القطعية فالساقط اما أصالة الطهارة في باء أو استصحاب الطهارة في ألف، هذا هو العلم الاجمالي الأول.

العلم الاجمالي الثاني: وهو أن نعلم بأنّه يسقط أصالة الطهارة في باء أو أصالتها في ألف لنفس النكتة إذ بهذا حكم العقل بأن جريان أصالة الطهارة في الطرفين ترخيص في المخالفة القطعية وهو قبيح فلا محالة يصبح لدينا علم اجمالي بسقوط أحد الاصلين، اما أصالة الطهارة في ألف أو أصالة الطهارة في باء إذ لا يمكن بقاؤهما معا، غير ان العلم الاجمالي الثاني في طول العلم الاجمالي الأول، لأن العلم الاجمالي متقوم بطرفين فإذا كان أحد طرفيه في طرف آخر لعلم اجمالي سابق كان العلم الاجمالي الثاني أيضاً في طول العلم الاجمالي السابق والعلم الاجمالي الثاني طرفه هو أصالة الطهارة في ماء ألف والمفروض ان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخرة عن استصحاب الطهارة في ماء باء اذن فطرف العلم الاجمالي الثاني متأخر عن طرف العلم الاجمالي الأول وهذا يعني ان العلم الاجمالي الثاني في طول العلم الاجمالي الأول وليس في عرض واحد، وبناء على ذلك فهناك طرف مشترك بين هذين العلمين الا وهو أصالة الطهارة في طرف باء حيث إنَّ أصالة الطهارة في طرف باء هو طرف للعلم الاجمالي الأول وفي نفس الوقت طرف للعلم الاجمالي الثاني والمفروض ان هذا الطرف قد تنجز بالعلم الاجمالي الأول في رتبة سابقة فلا يعقل ان يتنجز بالعلم الاجمالي الثاني.

نعم، لو كان العلمان عرضيين فلا مانع من ان يكون أحد الطرفين وهو الطرف المشترك متنجز بعلمين في عرض واحد، وأمّا إذا كان بينهما طولية إذا فهذا الطرفي المشترك وهو أصالة الطهارة في ماء باء قد تنجز في رتبة سابقة بالعلم الاجمالي الاول، فلا يقبل التنجز في رتبة متأخرة مع تنجزه في نفسه، إذ المتنجز في رتبة سابقة لا معنى لتنجزه في رتبة لاحقة فهو من قبيل تحصيل الحاصل والنتيجة ان العلم الاجمالي الثاني وهو العلم بسقوط أصالة الطهارة في باء أو سقوط أصالة الطهارة في ألف غير منجز فإذا لم يكن منجزا جرت أصالة الطهارة في ألف بلا مانع، وبهذا ينحل العلم الاجمالي الأول، فهذا هو وجه انحلال العلم الاجمالي بالأصل الطولي وعدم معارضته أي الأصل الطولي بالأصل العرضي في الطرف الآخر.

ويلاحظ عليه:

أولاً: بأنّه لا يوجد لدينا علمان إجماليان، أحدهما في طول الآخر كي يترتب المحذور؛ والسر في ذلك: أنّنا من البداية نقول ومن أول ثانية ينعقد فيها العمل الاجمالي بنجاسة أحد المائين، ففي هذا الآن وهو ان العلم الاجمالي بنجاسة أحد المائين يتشكل لدينا علم اجمالي في الاصول وهو أنّه إما أصالة الطهارة في ماء باء ساقطة أو الجامع بين الأصلين في طرف ألف. وكون أحد الأصلين متأخرا عن الأصل الآخر لا يعني تشكل علم اجمالي جديد لان العلم الإجمالي منصب على الجامع بين الأصلين في طرف ألف، إذ المتجه في المعارضة منصبة على الترخيص نفسه سواء كان باستصحاب الطهارة أو أصالتها، إذ ما يحكم به العقل هو ان الجمع بين الترخيصين في الطرفين قبيح سواء كان الترخيص بالأصل الحاكم أو المحكوم، فالعقل يقول: بما أنّه لا يمكن الجمع بين الترخيص في باء وألف، إذاً لا محالة اما الترخيص في باء ساقط أو الترخيص في ألف ساقط سواء كان الترخيص في ألف بأصل حاكم أو محكوم فلا يوجد لدينا علمان اجماليان أحدهما في طول الآخر كي يقال بأنّه قد تنجز أحد الطرفين في علم اجمالي سابق فلا يقبل المنجزية بعلم اجمالي لاحق.

وثانياً: سلمنا بوجود علمين اجماليين، فإنَّ الطولية بلحاظ أحد الطرفين لا تعني الطولية بلحاظ كلا الطرفين فإنّ العلم الاجمالي الثاني في الواقع ليس متأخر رتبة عن الأول، وإنّما المتأخر رتبة طرفه - أي ان الطرف من جهة ماء ألف الا وهو أصل الطهارة - هو المتأخر رتبة عن استصحاب الطهارة في نفس الماء أي ماء الف، فوجود طولية بين طرفي العلمين الاجماليين، لا يستلزم ان تكون منجزية العلم الإجمالي الثاني في طول منجزية العلم الإجمالي الأول، والسر في ذلك: أنّه لا فرق بين العلم الاجمالي بين الدفعي أو التدرجي، فلو طرق المرأة الدم وعلمت إجمالا اما هذا الدم حيض أو الدم الذي سياتي بعد ايام، فإنّ هذا علم اجمالي منجز وان كانت اطرافه تدريجية حيث إنَّ أحد طرفيه فعلي والآخر استقبالي الا ان العقل لا يفرق بين الدفعية والتدريجية، فيقول ان جريان أصالة عدم الحيض في هذا الماء معارض بأصالة عدم الحيض الذي سيأتي بعد عشرين يوم، وبالتالي يلزم من استصحاب عدم الحيض في كلا الدمين الترخيص في المخالفة القطعية.

والامر كذلك هنا، أي: منذ العلم الاجمالي بنجاسة أحد المائين يحصل علمان اجماليان من الأول، وهما العلم الاجمالي بسقوط أصالة الطهارة في باء أو استصحاب الطهارة في ألف والعلم الاجمالي من الآن بسقوط أصالة الطهارة في باء أو سقوط الأصل الطولي الذي إنّما يجري عند سقوط الأصل الحاكم من سنخ العلم الاجمالي التدريجي، فليس بين العلمين طولية من حيث المنجزية وان كان أحد طرفي العلم الاجمالي الثاني متأخر عن طرف العلم الاجمالي الاول.

الوجه الرابع: ما اختاره السيد الشهيد وعبّر عنه بأنّه تام فنياً، أي: ان مقتضى القواعد تماميته لولا اللجوء إلى المتركزات العرفية؛ وبيان ذلك:

أنّ المعارضة بين الأصلين فرع تكافؤهما من حيث المقتضي ومن حيث المانع، والمقتضي هو عبارة عن تحقق موضوع الأصل وموضوع الأصل هو الشك في التكليف في مورد كل منهما.

واما المانع الذي يقتضي المعارضة بينهما: فهو ما يعبّر عنه بالترجيح بلا مرجح إذ بعد العلم الاجمالي بنجاسة أحد المائين يحكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية أي يحكم العقل بأنّ جريان الأصلين معا قبيح فإذا لم يجر الاصلان فلو جرى أحدهما دون الآخر جاء دور المانع وهو ان جريان أحدهما دون الآخر مع تساويهما من حيث المقتضي وتساويهما من حيث حكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية فجريان أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح.

إذاً الأصلان متساويان اقتضاءً ومحذورا ومانعا، لأنّ أيّاً منهما نضع اليد عليه فجريانه دون الآخر ترجيح بلا مرجح، ولكن إذا كان في أحد الأصلين مانع في رتبة سابقة عن المانع الاخر وهو الترجيح بلا مرجح أي أنّ أحد الأصلين مبتلى بمحذور مع غمض النظر عن محذور الترجيح بلا مرجح، وعليه لا ينهض للمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر لأنّه في نفسه ساقط بمحذور في رتبة سابقة. فلوا أردنا نطبق هذه الكبرى على محل كلامنا فنقول في طرف باء وجد أصل واحد وهو أصالة الطهارة وفي طرف ألف يوجد أصلان استصحاب الطهارة وأصالتها فإذا قارنا بين أصل الطهارة في باء واستصحاب الطهارة في ألف انطبقت القاعدة حيث إنَّ المقتضي لجريان كلا الأصلبين موجود والمانع مشترك فإنّ تقديم أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح فتتحقق المعارضة بينهما لتكافؤهما، وأما إذا قارنا بين أصالة الطهارة في باء وأصالتها في ألف سوف نجد أمراً آخر، والسر في ذلك: أنّ أصالة الطهارة في طرف ألف متبلى بمحذورين محذور مشترك ومحذور مختص اما المحذور المشترك بينه وبين استصحاب الطهارة فهو محذور الترجيح بلا مرجح، إذ يقال ان جريان الأصل مهما كان نوعه في طرف ألف دون طرف باء ترجيح بلا مرجح فهذا المحذور مشترك في الأصل الحاكم والمحكوم، أي انه محذور قائم بالجامع بين الاصول في طرف ألف. لكن هناك محذور يختص بأصالة الطهارة ولا يثبت على الجامع بينه وبين الأصل الحكام وهو محذور اننا لو أردنا أن تجاوز محذور الترجيح بلا مرجح بأن نقول لا مانع لا عقلاً ولا عقلاءً منه فنريد ان نجري الأصل في طرف ألف ونتجاوز هذا المحذور ولكن سنواجه محذور اخرا فإنّ اجراء أصالة الطهارة في طرف ألف دون أصالة الطهارة في طرف باء تقديم للأصل المحكوم مع جريان الأصل الحاكم وهو غير معقول فلا يمكن جريان الأصل المحكوم مع تمامية المقتضي للأصل الحاكم لأنّه لو تجاوزتم محذور الترجيح بلا مرجح فلا مانع من جريان الأصل الحاكم وهوا استصحاب الطهارة وحيين يقال ان جريان أصالة الطهارة في طرف ألف دون باء واجد لمحذور آخر.

إذاً فالنتيجة: أنّ أصالة الطهارة في طرف ألف مبتلى بمحذور في نفسه وراء محذور الترجيح بلا مرجح، وما كان فيه محذور كيف ينهض للمعارض مع الأصل الآخر وهو أصالة الطهارة في طرف باء الذي لا مانع من جريانه الا محذور الترجيح بلا مرجح والمعارضة فرع تكافؤ الأصلين بمعنى ان شرائط جريان كل منهما تامة لولا محذور الترجيح بلا مرجح اما إذا افترضنا ان شرائط جريان أحدهما غير تامة لم تصل النوبة للمعارضة.

وقد ذكر السيد الشهيد ان هذا البيان سليم وتام فنياً.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 112
الدرس 114