نص الشريط
الدرس 27
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 14/12/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2696
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (395)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين

تقدم انه اذا شكّ في فعلية الحكم الواقعي فهل هناك دليل على الفعلية ام لا، وعلى فرض وجوده فهل ان اطلاق دليل البراءة معارض له او وارد عليه ام لا؟

فبالنسبة للمطلب الاول ذكرنا انه قد يدعى ان دليل كل حكم ظاهر في ان الحكم فعلي بوصوله ولو اجمالا، وبالتالي متى ما شكّ في الفعلية فمقتضى ظاهر دليل الحكم انه فعليٌ في فرض وصوله ولو كان اجمالياً، وقلنا بأنّ منشأ هذا الظهور قياس الخطابات الشرعية على العرفية.

ومنشأ ظهور الخطابات العرفية في ذلك ان الغالب من الملاكات كونها بحدّ من الاهمية يقتضي التحفظ عليه حتّى في فرض الوصول الاجمالي.

ولكن هذا محل تأمل من جهتين:

الاولى: انه اذا التفت العرف الى انه بين الملاكات الشرعية والملاكات العرفية فرقاً فربما يكون الغالب من الملاكات العرفية مما يقتضي التحفظ عليه حتّى في فرض الوصول الاجمالي، ولا يكون كذلك في الملاكات الشرعية، فاذا التفت العرف للفرق بين السنخين في الملاك فهل مع ذلك يتلقى الخطابات الشرعية بنفس النسق من تلقيه الخطابات العرفية بان يستظهر فعلية الحكم حتّى في فرض الوصول الاجمالي؟ هذا هو اول الكلام.

والجهة الثانية: ان هذا الاستدلال على الفعلية لو تم انما يتمّ فيما اذا كان لدينا دليل ظاهر في بيان ما هو الواجب ولكن حصل الإجمال في حدّ من حدوده او كان الإجمال على نحو الشبهة الموضوعية،

مثلاً اذا قال المولى يجب على المكلف صلاة الآيات عند حدوث الكسوف او الخسوف فان الحكم قد وصل ولكن تردد المكلف في ان وقتها وقت فعلية الكسوف او وقت الشروع في الانجلاء فهنا يقال حيث قام دليل على الحكم وشك في قيد من قيوده فظاهر هذا الدليل ان الحكم فعلي في فرض وصوله ولو كان الوصول اجماليا، ومقتضى ذلك عدم جريان دليل البراءة او كانت الشبهة موضوعية، كما لو قال المولى يجب على المسافر ان يقصر من الصلاة، فشك المكلف على نحو الشبهة الموضوعية في ان المسافة التي قصد قطعها سفر أم لا، فهنا يقال ان الحكم وصل اليه اجمالا والفعلية حاضرة في فرض الوصول الاجمالي، فلا يجري في حقه دليل البراءة.

اما لو فرضنا انه ليس هناك دليل وانما دار الامر بين حكمين او دليلين، كما لو فرضان ان المكلف علم ابتداءً ولو بمقتضى الاجماع او المرتكز المتشرعي اما مطالب بالجمعة او بالظهر يوم الجمعة او قامت روايتان متعارضتان فهنا لامجال لان يقال عندنا دليل تام السند والدلالة يدل على فعلية الحكم ولو في فرض وصوله اجمالا لان المكلف في هذا الفرض يشك في اصل جود الدليل لا انه هناك دليلا ظاهرا في فعلية الحكم عند وصوله ولو اجمالا، فلو تم هذا الاستدلال لكان اخص من المدعى.

واما بالنسبة للمطلب الثاني الذي تشبث به في المنتقى وهو انه في كل مورد يوجد علم اجمالي يوجد اطلاق لدليل الاصل كأصالة البراءة ومقتضى اطلاق دليل الاصل رفع فعلية الحكم الواقعي واذا ارتفعت فعلية الحكم الواقعي ارتفعت منجزية العلم الاجمالي، فان المنجزية فرع الفعلية فهنا يذكر في مقابل كلامه وجوه:

الأول: ان يقال بان ادلة الاصول من اساسها لا تشمل موارد العلم الاجمالي والوجه في ذلك ان دليل الاصل العملي كدليل البراءة ظاهر في ان هناك غرضا ترخيصيا يريد ان يصل اليه المولى من خلال دليل البراءة وجود العلم الاجمالي بالحكم علم بغرض لزومي بين الطرفين، وحيث ان المرتكز العقلائي يرى ان الغرض الترخيصي لا يقاوم الغرض اللزومي فمقتضى ذلك انصراف دليل الاصل العملي من اصله عن الشمول لمورد العلم الاجمالي، فان لازم شموله لكلا الطرفين نقض الغرض اللزومي المعلوم اجمالا بالغرض الترخيصي وهو مرفوض لدى المرتكز العقلائي فاحتفاف دليل الاصل بهذا المرتكز العقلائي مانع من شموله لأطراف العلم الاجمالي فهو لا يشمل كي يقال برفعه لفعلية الحكم الواقعي.

الثاني: ان يقال لو سلمنا لدليل الاصل العملي اطلاقا في نفسه ولكنه مخصص عقلاً كما اشار لذلك صاحب الكفاية في مبحث الاشتغال بانه لا يعمّ موردا يلزم منه المناقضة للواقع، فقوله رفع عن امتي ما لا يعملون مقيد عقلاً أي رفع عنهم ما لم يعلموا في مورد لا يكون الرفع نقضاً للحكم الواقعي فمع وجود هذا المقيد اللبي اذا شككنا في المقام حيث انّ لدينا علما اجمالياً بوجوب الظهر او الجمعة، فنقول لا يمكن ان نتمسك بدليل البراءة لرفع الوجوبين لان دليله مقيد عقلاً بما لم يلزم نقضا للواقع فاذا احتملنا ان شموله للمقام يستلزم نقضا للواقع فالتمسك بدليل البراءة في هذا المقام تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لمخصصه العقلي. ولا يعارض ذلك بالمثل بان يقال ان دليل الحكم الواقعي أيضاً مخصص بان يقال ما دل على ثبوت الحكم فقد دلّ على فعليته في فرض وصوله ما لم يكن هناك ترخيص فكما ان دليل الاصل مقيد لبا بما اذا لم يكن هناك نقض فان دليل الحكم الواقعي مقيد لبا بما اذا لم يكن هناك ترخيص فاذا كان كذلك فكما لا يصح التمسك بدليل الاصل لانّنا نشك في ان شموله يستلزم نقضا ام لا كذلك لايصح التمسك بدليل الحكم لأننا نشك هل ان هنا ترخيصا ام لا.

فانه يقال: المفروض ان دليل الحكم قد دلّ على فعليته في فرض وصوله ولو اجمالا فلا شك في الحكم فمتى علم اجمالا فهو فعلي ولا مجال حينئذٍ ليقال ان هناك شكّاً في الترخيص فكيف يتمسك بالدليل.

الثالث: قد يقال على مبنى صاحب الكفاية من صحة التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية للمخصص اذا كان عقليا حيث ان الآخوند وافق الشيخ الاعظم في انه ان كان المخصص لفظياً وشككنا في مصداقه فلا يصحّ التمسك بالدليل كما اذا قال لعن الله بني امية قاطبة، وقام مخصص لفظي في انه لا يجوز لعن المؤمن، وشككنا ان معاوية بن يزيد مؤمن ام لا، فهنا يقال لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه اللفظي.

اما اذا لم يكن المخصص لفظي بل كان لبيا مستفادا من اجماع او ارتكاز في انه لا يجوز لعن المؤمن، وشككنا ان معاوية بن يزيد هل هو مؤمن ام لا فعلى مسلك الشيخين الانصاري والاخوند يجوز التمسك بالعام في تجويز لعن هذا المشكوك في ايمانه.

فعلى هذا المبنى وان شككنا في ان شمول دليل البراءة لمورد العلم الاجمالي هل يستلزم نقضا ام لا فانه يجوز التمسك بعموم الدليل، والوجه فيه ان المخصص لدليل البراءة بما اذا لم يستلزم نقضا ”عقلي“ وحيث يجوز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لمخصصه العقلي. اذا يجوز في المقام التمسك بدليل اصالة البراءة.

ولكن يقال: ان دليل الحكم الواقعي وارد على دليل الاصل العلمي، والسر في ذلك ان دليل الاصل العملي موضوعه الشك في الحكم الواقعي سواء كان شكا في اصل جعله ام كان شكا في فعليته فلا فرق بينهما من هذه الجهة لان موضوع الترخيص الشك في اشتغال العهدة سواء كان منشأ الشكهو الشك في اصل الجعل ام الشك في فعلية هذا الجعل الثابت في حقي، فبما ان موضوع دليل الاصل العملي الشك ولو كان في فعلية الحكم الواقعي فلا محالة دليل الحكم الواقعي رافع لموضوعه لان دليل الحكم الواقعي، مفاده ان الحكم فعلي في فرض وصوله ولو اجمالا فمع ظهوره في الفعلية يرتفع موضوع دليل الأصل العملي فيكون دليل الحكم الواقعي واردا على دليل الاصل العملي.

فعلى الوجوه الثلاثة لا يتم مدعى سيد المنتقى من مقتضى اطلاق دليل البراءة ارتفاع فعلية الحكم الواقعي فلا منجزية له.

الا ان يقال بان الدليلين متعارضان فان دليل الحكم الواقعي فعليته في فرض الوصول ولو اجمالا، ودليل اصالة البراءة مفاده عدم الفعلية لان مفاده الترخيص في فرض الشك وحيث ان الترخيص لا يجتمع مع الفعلية فاذا لا محالة هو دال بالدلالة الالتزامية العرفية على عدم الفعلية فيتعارض الدليلان فاذا تعارضا فتساقطا فحينئذٍ يبقى الشك في فعلية الحكم الواقعي، ويأتي الاشكال الثاني وهو انه اذا شك في فعلية الحكم الواقعي فلا منجزية للعلم الاجمالي لان موضوع المنجزية وصول الحكم الفعلي فما لم يحرز هذا الموضوع فلا منجزية للعلم الاجمالي.

مضافا الى انه يرد على مطلب الكفاية التسوية بين العلمين التفصيلي والاجمالي، حيث افاد انه اذا افترضنا ان الحكم الواقعي فعلي من سائر الجهات الا من جهة الوصول وبالوصول يكون فعليا فهنا لا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي مع وضوح ان الفرق الوجداني بينهما يقتضي تفاوتهما في الدخل لا ان يكون دخلهما على نحو واحد.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 26
الدرس 28