نص الشريط
الدرس 28
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 17/12/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2655
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (378)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم التعرض الى مسلك انكار المنجزية للعلم الاجمالي وقلنا بانّ المنجزية في الجملة الاعم من المنجزية العقلية او العقلائية مما لا ريب فيها وجدانا، وما اقيم من الشواهد على عدم المنجزية محلُ مناقشة كما سبق.

كما تعرضنا الى مسلك صاحب الكفاية «قده» القائل ان لا موضوعية للعلم الاجمالي لا في المنجزية ولا في عدم المنجزية، فانّ الحكم الواقعي ان لم يكن فعلياً لم يتنجز بالعلم التفصيلي فضلا عن الاجمالي، وان كان فعليا فتارة يكون فعليا من جميع الجهات فهو متنجز بالاحتمال فضلاً عن العلم الاجمالي وان كان فعليا من سائر الجهات بحيث لو تعلق به العلم لتنجز فهو متنجز بمطلق العلم تفصيلياً او اجمالياً.

والنتيجة ان العلم الاجمالي لا موضوعية له في شيء وذكرنا فيما سبق أنّه هذا المدخل في تحليل منجزية العلم الاجمالي غير صناعي كما افاد المحقق العراقي اذ لا ريب في ان الحكم الواقعي ان لم يكن فعليا اصلا فلا تنجز له بشيء وان كان فعليا من جميع الجهات فهو متنجز حتّى بالاحتمال وهذا لم يناقش فيه احد وانما البحث في انه اذا تعلق العلم الاجمالي بمفاد الخطاب الشرعي فهل يعقل الترخيص في اطرافه ام لا فان هذا، هو محل البحث فما بحث فيه في الكفاية خارج عما هو محل البحث.

ولذلك قلنا بانه لا يعدّ ما ذكره صاحب الكفاية مسلكاً في مقابل المسالك اذ لم يضع اليد على الجرح كي يعالج مسألة منجزية العلم الاجمالي وعدم المنجزية اذا تعلق بمفاد الخطاب، فوصل الكلام بعد عرض هذين المبنيين الى ان العلم الاجمالي منجز للجامع ام للواقع؟، وعلى فرض منجزيته للجامع فهل منجز للاطراف غير العلم الاجمالي ام لا، وعلى فرض منجزيته للواقع فهل هي منجزية عقلية ام عقلائية، وعلى فرض ان هذه المنجزية عقلية فهل هي على نحو العليّة التامة من الطرفين أي حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ام انها مقتض في الطرفين معاً ام هناك تفصيل.

فلأجل الجواب عن هذه الاسئلة يتبين لنا ان في المسالة مسالك متعددة.

فالمسلك الاول: هو القول بتنجز الجامع، وهذا المسلك نسب الى المحقق الاردبيلي وتلميذيه صاحب المدارك والمعالم، ومحصل هذا المسلك كما استدل عليه السيد الاستاذ دام ظله مبتن على مقدمتين:

الاولى ان العلم الاجمالي انكشاف للجامع لا للفرد، ولا للواقع، فهذه المقدمة مبنائية على ما سبق.

الثانية: ان التنجز من شؤون العلم واحكامه وبما ان التنجز من شؤون العلم فالمعلوم متنجز بحدّ العلم لا بحدّه الواقعي، وحيث ان المعلوم هو الجامع لا أكثر فلا منجزية لأكثر من الجامع.

وهنا تعليقان قبل المناقشة في هذا الاستدلال: تعليق على المقدمة الاولى وآخر على الثانية.

اما التعليق على المقدمة الأولى فهو ما ذكره السيد الشهيد «قده» من أنّ منجزية العلم الاجمالي للجامع لا تبتني على مسلك من قال انّ العلم الاجمالي انكشاف للجامع، بل على جميع المسالك في حقيقة العلم الاجمالي لا منجزية للعلم الاجمالي لأكثر من الجامع، اما على القول بتعلقه بالجامع فالأمر واضح اذ لم ينكشف اكثر من الجامع.

واما على القول بتعلقه بالفرد المردد، وهو مسلك الآخوند فليس المقصود بالتردد التردد في الخارج اذ لا وجود للفرد المردد خارجا، وانما المقصود بالتردد التردد في المشار اليه، لان الذهن اذا تصور المعلوم بالإجمال وهو أحد الانائين مثلاً فالمشار اليه بهذه الصورة محتمل الانطباق على الاناء الابيض او الازرق فالتردد في المشار اليه ذهنا، وليس في الخارج، وبما ان التردد لا يجتمع مع العلم اذ كيف يكون هناك علم وانكشاف مع ان هناك تردداً اذا فالمشار اليه بهذه الصورة لم ينكشف، وحيث لم ينكشف فلا منجزية له، والنتيجة ان المتنجز مقدار الجامع.

واما على القول بتعلق العلم الاجمالي بالواقع، او بالفرد فالمفروض ان من يدعي ذلك لا يدعي ان العلم ينال الخارج فان الخارج معلوم بالعرض وبالمجاز لا بالذات والحقيقة، فما هو المعلوم في العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي ليس الا الصورة، واما الخارج فهو معلوم بالعرض، فبما ان المعلوم هو الصورة فلابد من تحليلها، وعندما نجيء للصورة لتحليلها نجد احد الانائين نجس، وهذه الصورة تتجزأ لجزئين جامع وهو الأحد، وخصوصية، اما الجامع فهو منكشف تفصيلا وبكل وضوح، واما الخصوصية فهي مبهمة اذا فالمعلوم بالإجمال منحل لجزئين جزء مضيء وجزء مظلم وبناءً على ذلك فما هو المتنجز به هو الجزء المضيء لا المبهم المظلم.

فبناءً على حرفية قاعدة قبح العقاب بلا بيان لم يقم بيان على اكثر من الجامع فلا منجزية لأوسع منه ففيما عدا واحد من الاطراف الممثل للجامع تجري البراءة العقلية فضلا عن الشرعية.

واما التعليق على المقدمة الثانية وهي انه بعد المفروغية عن تعلق العلم الاجمالي بالجامع فالتنجز من شؤون العلم واحكامه، فلا يعقل ان يزيد المتنجز على ما هو المعلوم، وقد علق على هذه المقدمة، المحقق العراقي «قده» وتبعه السيد الاستاذ دام ظله بان المتنجز هو الواقع لا المعلوم بالذات، والسر في ذلك: ان ما هو مركز الحكم الجزائي بحسب تعبير السيد الاستاذ هو الواقع وما هو محط الغرض بحسب تعبير المحقق العراقي هو الواقعي لا الصورة الذهنية.

وبيان ذلك: ان السيد الاستاذ دام ظله يرى ان حقيقة الحكم التكليفي هي التركب لا البساطة أي ان مرجع الوجوب الى طلب الفعل والوعيد على الترك فعندما يقول المولى تجب الصلاة فمرجع هذا الخطاب الى طلب الصلاة مع الوعيد على تركها فالوعيد عنصر مقوم لحقيقة الحكم التكليفي الالزامي، وبناءً على ذلك فما هو مركز الحكم الجزائي وهو الوعيد هو الواقع لا المعلوم أي ان تركت الصلاة واقعا كنت محطا للوعيد لا ان تركت ما علم وان لم تترك ما هو الصلاة واقعا، كما ان المحقق العراقي اعلى الله مقامه قال انما هو محط الغرض هو الواقع لا الصورة المعلومة، فمقتضى ذلك ان المتنجز في حق المكلف هو الواقع لا الصورة غاية ما في الباب ان الذهن حيث لا يستطيع ان ينال الواقع الا من خلال الصورة صار المتنجز عليه هو الواقع عند علمه به، فالعلم ملحوظ في المنجزية على نحو الطريقية والالية لا على نحو الموضوعية، بل المتنجز هو الواقع ولذلك ذهب العلمان الى انه لا عقوبة على التجري فانّ من قطع بان هذا المائع خمر فشربه فانكشف انه عصير فانه لا يتحقق اية عقوبة لان المتنجز في حقه هو الواقع عند العلم به لا الصورة المعلومة.

نعم من يرى ان المتنجز هو المعلوم فمقتضى ذلك ان يلتزم باستحقاق المتجري للعقوبة لأنّه خالف ما علم وان لم يكن خالف الواقع، فعليه حتّى لو فرضنا ان العلم الاجمالي انما هو انكشاف للجامع ولكن هذا لا يعني ان المتنجز هو الجامع فقط بل يتنجز الواقع عبر العلم بالجامع.

ولكن الصحيح ان هناك فرقا بين ما هو المتنجز وما هو مناط التنجز فتارة نبحث ما هو المتنجز في حق المكلف هل هو الواقع او هو الصورة المعلومة فيقال المتنجز هو الواقع كما افيد، وتارة نبحث ان المتنجز وان كان هو الواقع، ولكن ما هو مناط التنجز وما هو ملاكه، فنقول ان ملاك التنجز هو العلم، فالعلم مأخوذ في التنجز على نحو الموضوعية والحيثية التقييدية والا فلا قبح بلا بيان فان مناط المنجزية وملاك المنجزية هو العلم ولأجل ذلك يكون المتنجز هو الواقع لكن بمقدار العلم به، لا اكثر من ذلك فلا تنافي بين قولنا ان المتنجز هو الواقع وبين قولنا ان التنجز من احكام العلم لا من احكام الواقع واما من ذهب كسيدنا الخوئي الى ان التجري موجب لاستحقاق العقوبة فليس معنى كلامه انه يرى ان المتنجز هو الصورة طابقت الواقع ام لا بل المتنجز عنده هو الواقع وانما يرى ان التجري موجب لاستحقاق العقوبة بلحاظ ان مناط الاستحقاق هو الاستخفاف بالمولى ولا فرق بين حيثية الاستخفاف بين المعصية والتجري فمن طابق علمه الواقع وكان ما شربه خمرا واقعا فقد استخف، ومن لم يطابق علمه الواقع أيضاً استخف بالمولى، فبلحاظ ان مناط استحقاق العقوبة الاستخفاف لم يكن للمطابقة دور لا انه يدعي ان المتنجز هو الصور، ولذلك لو ان المكلف خالف ما علم لكن لا عن استخفاف لم يستحق العقوبة، مثلاً لو فرضنا ان المكلف قطع بانه في تقية خوفية وان وظيفة الفقهية ان يتوضأ وضوء العامة او يقف معهم في عرفة ولكن مع ذلك قال انني سوف اخالف التقية واتي بالعمل الاختياري رجاءً فأتى بالوضوء الاختياري او الموقف الاختياري وخالف ما علم فتبين انه في الواقع انه ليس في مقام تقية فانه لا ريب في عدم استحقاقه للعقوبة مما يكشف عن انه لا تنافي عن القول من جهة ان المتنجز هو الواقع عند تبينه، وبين القول باستحقاق العقوبة على التجري لتضمنه حيثية الاستخفاف بامر المولى

والحمد لله رب العالمين

الدرس 27
الدرس 29