نص الشريط
الدرس 48
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 15/6/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 17
مرات العرض: 2733
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (285)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في انه بناءً على وجوب الموافقة الالتزامية، فهل تجب الموافقة الالتزامية بأحد الحكمين في المقام وتستلزم عدم جريان الاباحة ام لا، ذكرنا ان هناك اتجاهين:

الاتجاه الثاني، ما ذكره المحقق الاصفهاني ومحصله انه يجب الالتزام بأحد الحكمين ونتيجة هذا الإلتزام عدم الإلتزام بالحكم الظاهري وهو الاباحة، وبيان ذلك بوجوه 3:

الوجه الأول: ان يقال بعد الفراغ عن أنه يجب على المسلم ان يتدين بالأحكام الواقعية بمعنى انه يجب عليه ان يلتزم قلبيا ويعقد قلبه على طبق الاحكام الواقعية بعد الفراغ عن ان هذا المطلب.. «لان البحث فيه مر في باب القطع».. نقول هنا حكم واقعي معلوم بالإجمال لأنّه لا يدري ان نفقة الولد المرتد واجبة ام حرام ويجب عليه ان يلتزم به، أي يتدين به، فحينئذٍ حيث لا يمكن الموافقة القطعية لهذا الحكم المعلوم لأنّه لا يمكنه ان يلتزم بكلا المحتملين أي ان يلتزم قلبيا بالوجوب او يلتزم قلبيا بالحرمة فكما ان نفس الحكم المعلوم وهو الالزام اما بالوجوب او الحرمة لا يمكن موافقته القطعية اذ لا يمكنه الاحتياط كذلك الالتزام به أي لا يمكن الموافقة القطعية فيه، لان الالتزام بالحكم عبارة عن التصديق به، والاذعان به، ولا يمكن للإنسان ان يذعن بالنقيضين فلا يمكن ان يذعن بان الحكم الواقعي في حقه هو الوجوب وهو الحرمة، اذا لا يمكن الموافقة القطعية لا لنفس الحكم ولا للالتزام به.

فاذا لم يمكن الموافقة القطعية لنفس الالتزام تصل النوبة الى الموافقة الاحتمالية فكما ان وظيفته تجاه الحكم الإلزامي وهو الموافقة الاحتمالي كذلك تجاه الالتزام، ومقتضى الموافقة الاحتمالية لهذا الالتزام ان يلتزم باحدهما فانه اذا التزم باحدهما فقد حقق الموافقة الاحتمالية للالتزام الذي علم بوجوبه واذا التزم باحدهما فقال انا اتدين بان الحكم الواقعي في حقي في هذه الصورة هي الوجوب مثلاً، فلا يمكنه ان يلتزم بالإباحة اذ لا يجتمع الالتزام بان حكم الله في حقه هو الوجوب وان يلتزم بالإباحة فصار الالتزام بأحد الحكمين مانعا من جريان الاباحة في حقه اذ لا يجتمع الالتزامان.

الوجه ال 2 ما انتزعه سيد المنتقى من عبارة المحقق الاصفهاني وهو مبني على مسلك التوسط في التنجيز، وبيانه بمقدمتين:

الأولى ذكر في بحث العلم الاجمالي انه اذا اضطر المكلف لاحد طرفي العلم الإجمالي فتارة يكون الاضطرار الى المعين، وأخرى يكون الاضطرار الى غير المعين، فان كان الاضطرار الى المعين كما لو علم اجمالا بنجاسة احد المائين وهو مضطر الى شرب ماء الف فهنا العلم الإجمالي غير منجز لانه يعتبر في منجزية العلم الإجمالي تعلقه بحكم فعلي، في حقه، وهذا مما لا يعلم به، لانه اذا كان النجس ماء باء الذي ليس مضطر اليه فقد كان المعلوم بالاجمال حكم فعلي في حقه، لأنّه ليس مضطر الى ب، وان كان النجس ما اضطر اليه وهو الف فلا يجب عليه فعلا الاجتناب عنه فالعلم بنجاسته ليس علما فعليا في حقه، وبما انه يشك ان المعلوم نجاسته هل هو ما اضطر اليه او غيره اذا ليس عنده علم بحكم فعلي في حقه على كل تقدير فلا يكون العلم الإجمالي في هذا الفرض منجزا.

اما اذا اضطر الى احد الطرفين لا الى طرف معين، فهو يعلم اجمالا بنجاسة الف او باء ومضطر لاحدهما، فهنا ذهب المحقق النائيني خلاف لصاحب الكفاية الى التوسط في التنجيز، وبيان ذلك، ان العلم الاجمالي في المقام لا تزول منجزيته لان ما اضطر اليه غير ما هو موضع النجاسة، حيث ما اضطر اليه هو الجامع لا الفرد وبامكانه ان يطبق ما اضطر اليه على هذا او ذاك، بينما ما هو متعلق او موضوع الحكم الواقعي هو الطرف المعين واقعا، المجهول لديه، فما عرض عليه الحكم الواقعي غير ما عرض عليه الاضطرار فما عرض عليه الاضطرار هو الجامع، وما عرض عليه الحكم الواقعي هو الفرد المعين واقعا فلا مقتضي لزوال منجزية العلم الإجمالي، غاية ما في الباب ان العلم الإجمالي لا ينجز وجوب الموافقة القطعية لعدم إمكانها بلحاظ اضطراره لاحد الطرفين، اذا العلم الإجمالي ليس منجزا لوجوب الموافقة القطعية ولكنه في نفس الوقت منجز لحرمة المخالفة القطعية اذ لا يجوز له ان يشرب كليهما مع انه مضطر ل 1 وهذا ما يعبر عنه بالتوسط بالتنجيز فليس هو منجز للنجس الواقعي مطلقا وانما منجز للنجس الواقعي من حيث حرمة الموافقة القطعية لا من حيث وجوب الموافقة القطعية.

النقطة ال 2 تطبيق ذلك على محل كلامنا فانه لو علم بان الحكم الواقعي في حقه اما الوجوب واما الحرمة فيجب عليه من باب وجوب الالتزام بالأحكام الواقعية ان يلتزم بالحكم الواقعي في البين، غير انه لا يمكنه الالتزام بكلا المحتملين لان الالتزام بالنقيضين غير معقول فحيث لا يمكنه الالتزام بكليهما اذا هو مضطر لعدم الإلتزام باحدهما لا انه مضطر لعدم الالتزام بطرف معين، فالمورد من موارد التوسط في التنجيز حيث علم اجمالا انه يجب عليه الالتزام بالحكم الواقعي في البين ولا يمكنه الموافقة القطعية لهذا المعلوم بالإجمال لأجل اضطراره الى ترك الالتزام باحدهما فالعلم الإجمالي بوجوب الالتزام وان لم ينجز وجوب الموافقة القطعية ولكنه ينجز حرمة المخالفة القطعية فلا يجوز له ترك الالتزام باي منهما بل يتيعن عليه الالتزام باحدهما فالالتزام باحدهما من باب منجزية العلم الإجمالي على نحو التوسط في التنجيز فحينئذٍ لا يمكنه الالتزام بالإباحة اذ لا يجتمع ان يلتزم ان الحكم في حقه هو والوجوب او الحرمة وان الوظيفة في حقه هي الاباحة فمرجع هذين الوجهين الى انه لا يمكن اجتماع وجوب الالتزام بأحدهما مع الالتزام بالإباحة،

ومن هنا أورد المحقق الاصفهاني بانه

أولا: لا يعقل أصلا الالتزام بالمجهول فان من مقومات الالتزام ان يكون الملتزم به معلوما، لان الالتزام عبارة عن الإذعان والتصديق ولا يعقل التصديق بما هو مجهول، فلا تجمع حيثية الالتزام مع حيثية الشك وعدم العلم اذا فمن الأساس لا يعقل ان يخاطب بوجوب الالتزام بأحدهما لا ان كلا منهما مجهول والالتزام بالمجهول غير معلوم اذ لا يجري ان الحكم الواقعي هو الوجوب او الحرمة فكيف يصدق ان الحكم الواقعي هو الوجوب او الحرمة وهو يجهل بواقعيته، فأساساً وجوب الالتزام منفي لعدم معقوليته، وعلى فرضها فانه تشريع محرم اذ كيف يعقد قلبه على ان الحكم الواقعي وهو الوجوب وهو يشك في واقعتيه وشرعيته فهل يلزمه الشارع بما هو تشريع محرم.

وثالثا على فرض التجاوز عن كل ذلك فإننا اذا رجعنا الى ما ذكر في بحث القطع بانه لو سلمنا وجوب الموافقة الالتزامية وانه على المكلف ان يلتزم بالحكم الواقعي الا ان مورد وجوب الموافقة الالتزامية الالتزام بالواقع على ما هو عليه لا الإلتزام بالواقع بعنوان تفصيلي فلا يجب عليك ان تلتزم ان الواجب عليك صلاة الظهر، وانما هناك حكم واقعي في حقك مرتبط بالصلاة.

فما هو الذي يجب مقتضى التدين بدين النبي ان تلتزم بالواقع على ما هو عليه لا بالعناوين التفصيلية واحدا واحدا.

والنتيجة لا يجب علي الالتزام بحكم واقعي بعنوانه بان التزم بانه في حقي الوجوب او الحرمة.

وعلى فرض ذلك وقلنا انه يجب عليك ان تلتزم بأحد الحكمين، وان تعقد قلبك على ان الحكم الواقعي في حقك هو الوجوب مثلاً فهذا لا يتنافى مع الالتزام بالإباحة الظاهرية فلا منافاة بين الحكم الواقعي والظاهري، فانا التزم على ان الحكم الواقعي في حقي هو الوجوب ولكن حيث ان هذا الوجوب انما التزمت به امتثالا لوجوب الموافقة الالتزامية والا فهو في الواقع مجهول فبناءً على ذلك في نفس الوقت الذي التزم بان الحكم الواقعي في حقي هو الوجوب التزم بان الوظيفة الظاهرية العملية عند الشك في الحكم الواقعي هو الاباحة، ولا منافاة بينهما.

هذا ما يرتبط بهذين الوجهين

الوجه ال 3 ان يقال ان المستفاد من ادلة التخيير بين الحديثين المختلفين او الفتويين المختلفتين التخيير في المقام بيان ذلك بمقدمتين:

الأولى: ورد في موثقة سماعة في الحديثين المختلفين فهو في سعة حتّى يلقى..

في رواية بن مهزيار موسع عليك باية عملت وفي رواية الحميري بايهما اخذ من باب التسليم كان صوابا.

فقد استفاد جملة من الاعلام ان الوظيفة اذا اختلف الحديثان التخيير لا التساقط، غاية ما في الباب هل ان التخيير تخيير اصولي او فقهي او عقلي، وهذا بحث عنه في باب الاجتهاد والتقليد، فهناك من يرى التخيير الاصولي كالشيخ الانصاري في الرسائل، وذهب اليه الشيخ الوحيد، والمقصود بالتخييرالاصولي التخيير في الحجية أي ان أيا من الفتويين او الحديثين ان التزمت به فهو حجة في حقك فاذا التزمت بفتوى احدهما كان حجة في حقك فليس لك العدول عن تقليده بعد الالتزام ولو مات يجوز البقاء على تقليده.

وذهب السيد السيستاني الى ان المستفاد من هذه الروايات التخيير الفقهي أي التخيير في مقام العمل لا ان احدهما حجة فهو غير ناظر للحجية بل مفاده موسع عليك أي لك ان تطبق عملك على أي من الفتويين او الحديثين،

وذهب الشيخ التبريزي الى التخيير العقلي بمعنى ان مفاد هذه النصوص ما هو الا ارشاد الى ما يحكم به العقل بمعنى انه في مثل هذا الفرض ان تتعارض حجتان، حيث انه لا يمكنك الموافقة القطعية لتعارضهما فتصل النوبة الى الموافقة الاحتمالية والموافقة الاحتمالية تتحقق بالعمل باحدهما فليس منظور هذه النصوص الا ما يدركه العقل من الموافقة الاحتمالية عند تعذر القطعية.

الدرس 47
الدرس 49