نص الشريط
الدرس 49
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/6/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 18
مرات العرض: 2823
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (378)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في الاستدلال بالتخيير الوارد في الروايات الخاصة لإثبات وجوب الالتزام باحد المحتملين في دوران الامر بين المحذورين، وذكرنا ان الدليل يشتمل على مقدمتين، تقدم الكلام في المقدمة 1.

المقدمة 2، ان دليل الاحكام لا يقتضي وجوب الالتزام بالحكم، فقوله اقم الصلاة مثلا لا دلالة فيه الا على لزوم الاتيان بالصلاة خارجا، ولا دلالة فيه على وجوب الالتزام النفسي بوجوب الصلاة كما ان ادلة وجوب الموافقة الالتزامية وهو ما دل على لزوم التدين بدين النبي صلى الله عليه واله لا يدل على ان كل حكم شرعي معلوم او محتمل فيجب الالتزام به بعنوانه اي بعنوان الوجوب او الحرمة، وانما غاية هذه الأدلة هو وجوب الالتزام بالشرع على نحو الإجمال اي الالتزام بالاحكام الواقعية على ما هي عليه في صقع الواقع.

اذن فمن اين نستفيد وجوب الالتزام باحد الحكمين المحتملين في دوران الامر بين المحذورين؟

انما نستفيد ذلك من هذه الروايات الخاصة الواردة في التخيير فيقال بأن هذه الروايات الخاصة قد دلت على التخيير الاصولي فان الاستدلال مبني على استفادة التخيير الاصولي مقابل التخيير الفقهي او العقلي.

فاذا كان مفاد هذه الروايات التخيير الاصولي بمعنى انه اذا تعارضت الحجتان خبران او فتويان فحينئذٍ الحجية لما تلتزم به منهما فمفاد هذه الاخبار، ان كلا منهما حجة شأنية وانما تكون حجة فعلية بالتزامك بها، فاذا التزمت اصبحت حجة فعلية في حقك، فلأجل ذلك حيث المكلف يعلم ان في هذين الخبرين او الفتويين المتعارضتين حجة، وانه بالتزامه تصبح الحجة فعلية، فيجب عليه الالتزام، اذ ما دام يعلم في رتبة سابقة ان في البين حجة، غاية ما في الباب ان هذه الحجية تصبح تعيينة في حقه بالتزامه فيجب عليه الالتزام.

فنريد ان نستفيد من وجوب الالتزام باحد الخبرين المتعارضين او وجوب الالتزام باحدى الفتويين المتعارضين وجوب الالتزام باحد المحتملين في دوران الامر بين المحذورين..

فنقول كما دلت هذه الاخبار الخاصة على انه اذا تعارض الخبران فعليك ان تلتزم باحدهما، فكذلك تدل على انه اذا دار الامر بين المحذورين الوجوب او الحرمة فعليك ان تلتزم باحدهما، فما هو وجه التعدي من دلالة هذه الاخبار على التخيير بمعنى لزوم الالتزام باحد الخبرين الى المقام.

فيقال اننا اذا سبرنا واستقرأنا الملاكات وسألنا ما هوالملاك في التخيير بين الخبرين المتعارضين نجد ان هذا الملاك موجود في دوران الامر بين المحذورين فملاك التخيير ولزوم الالتزام باحد الخبرين المتعارضين موجود في المقام فبالاستقراء نجد ان الملاك المحتمل للتخيير هو احد ملاكات 3،

الملاك الأول ان يقال ان التخيير بين الحجتين خبرين او فتويين معناه مراعاة الشارع للحجية، فاذا كان الشارع يراعي الحجية ولا يرفع اليد عنها مع انها حكم ظاهري لان الحجية الجعلية للخبر او للفتوى انما هي في ظرف الشك في الحكم الواقعية، فالحجية مع انها حكم ظاهري راعاه الشارع وقال عليك ان تلتزم باحد الخبرين، فكيف لا يراعي الحكم الواقعي فاذا علم المكلف بان هذه الواقعة اما واجب او حرام فقد علم بحكم واقعي فاذا كان الشارع قد راعى الحكم الظاهري والزم بالالتزام باحدى الحجتين فمن باب اولى مراعاة الحكم الواقعي بان يلزم بالالتزام باحد المحتملين.

وبيان ذلك، ان المقتضي للحجية في الخبرين المتعارضين موجود والمانع مفقود.

اما المقتضي للحجية فهو كون كل منهما خبر ثقة، او كون كل منهما فتوى فقيه جامع للشرائط.

واما المانع فالمانع المحتمل هو التعارض، الا ان التعارض لا يمكن ان يسقط حجية كل منهما من رأس فان الضرورات تقدر بقدرها فمحذور التعارض انما يمنع من حجيتهما معاً، لا انه يمنع من اصل حجيتهما، فغاية ما يكون التعارض مؤديا اليه ان لا يجتمعا في الحجية بان يكونا حجتين معا لان لازم حجيتهما معا مع تعارضهما تعبد الشارع بالمتناقضين وهو قبيح اذا فلا حجية لهما معا، لا انه لا حجية لاي منهما، وبالتالي فنقول مقتضى اطلاق دليل الحجية ان الحجية لكل منهما في نفسه موجودة، وان كان لا تثبت الحجية الفعلية لهما معا الا ان الحجية لكل منهما في نفسه مع غمض النظر عن المعارض ثابتة.

فمن اجل ذلك نقول الشارع يقول لا يمكن التفريط والتضييع للحجية بمجرد المعارضة بل لابد من التحفظ عليها ما دام المقتضي موجود والمحذور يقدر بقدره، فمقتضى التحفظ والمراعاة لحجية كل منهما في نفسه مع تجنب المانع وهو حجيتهما معا ان نقول الحجة منهما ما التزمت به، فمفاد هذه الاخبار مطابق لمقتضى القاعدة ان الحجة منهما ما التزمت به فنحن من جهة لم نرفع اليد عن المقتضي للحجية ومن جهة اخرى لم نرتكب المانع وهو حجيتهما معا، فقلنا ان الحجة منهما ما التزمت به وبالتالي مراعاة للحجية التي تم المقتضي لها يجب عليك ايها المكلف ان تلتزم باحدهما فان التزامك باحدهما يحول تلك الحجة الى حجة تعيينة في حقك لذلك اذا التزمت بفتوى احد المجتهدين المتعارضين كان حجة في حقك فلا يجوز العدول الى غيره.

فهنا يأتي الاستدلال وهو اذا دلت نصوص التخيير على لزوم الالتزام باحد المتعارضين مراعاة للحجية دلت على لزوم الالتزام باحد المحتملين في دوران الامر بين المحذورين اذ ان الشارع اذا راعى الحجية وهي حكم ظاهري فمن باب اولى ان يراعي الحكم الواقعي المعلوم بالاجمال وهو اما الوجوب او الحرمة، هذا هو الملاك الأول الذي يوجب تسرية التخيير من هذه الاخبار الى محل كلامنا.

الملاك 2 ان يقال ان كل خبر من هذين الخبرين المتعارضين كما لو فرضنا ان احد الخبرين دل على وجوب الجمعة تعيينا والخبر الآخر دل على وجوب الظهر يوم الجمعة تعيينا فهذان الخبران لهما مدلولان في عرض 1، والمدلول الأول خاص حيث ان احدهما يدل على تعيين الجمعة والاخر على الظهر والمدلول الثاني مشترك حيث ان مجموعهما ينفي ال 3 التخيير فكل منهما يفيد ان لا تخيير يوم الجمعة بل هناك تعيين وان اختلفا فيما هو المعين.

فاذن هما في الوقت الذي اختلفا على المفاد الخاص اتفقا على المفاد المشترك وهو نفي ال 3 فينعقد لهذين الخبرين مدلولان في عرض 1 مدلول خاص ومدلول مشترك، فالمدلول الخاص قد سقط عن الحجبة لأجل المعارضة والمدلول المشترك بقي على الحجية وهو نفي ال 3 فلأجل حجية هذين الخبرين المتعارضين في نفي ال 3 قال الشارع تخير بينهما ولا تذهب الى ال 3 لانه منفي فالملاك في وجوب الالتزام باحد المتعارضين هو دلاتهما على نفسي ال 3 والا لو كان الثالث غير منفي لامكن الالتزام به، لكنه لأجل حجيتهما في نفي ال 3 الزم الشارع بامتثال احدهما.

فاذا كان قيام الحجة، في الخبرين المتعارضين على نفي ال 3 اوجب ان تلتزم باحدهما فكيف اذا قام العلم الوجداني على نفي ال 3 فانه من باب اولى ان يلزمك باحدهما وفي دوران الامر بين المحذورين اما الوجوب او الحرمة قام العلم الوجداني على ان الواقع ليس فيها 3 اما هي الوجوب او الحرمة، فيجب عليك الالتزام باحدهما.

الملاك ال 3 ان يقال ان ملاك التخيير بمعنى وجوب الإلتزام باحد الخبرين المتعارضين او الفتويين المتعارضتين الملاك هو ان قيام الخبرين اوجب احتمال حكمين للشارع واحتمال الحكمين هو الذي نجز لزوم الالتزام باحدهما.

وتوضيح ذلك ان احتمال حكم الشارع ليس كاحتمال حكم غيره... فان احتمال حكم الشارع له اثر على المكلف يختلف عن احتمال اي حكم اخر، كما ان احتمال حكم الشارع تارة يكون بدويا لم يستند الى حجة واخرى يكون ناشئا عن حجة، فلو كان احتمالا بدويا لقلنا لا يجب مراعاته واما اذا كان احتمال حكم الشارع الالزامي ناشئا عن حجة لزم مراعاته اداء لحق المولوية فاذا تعارض خبران او فتويان احدهما يقول بوجوب الجمعة تعيينا والآخر بوجوب الظهر تعيينا فاحتمال التعيين للجمعة او الظهر ليس بدويا بل ناشئ عن قيام حجتين فلأجل ان قيام الخبرين سبب لاحتمال حكمين الزاميين الزمك الشارع للالتزام باحد الخبرين فاذا كان الملاك في الإلزام بالاتزام باحد الخبرين ان الخبرين اصبحا سببا لاحتمال حكمين الزاميين فمن باب أولى ان يلزمك الشارع بالالتزام اذا كان سبب احتمال الحكمين علما وجدانيا. كما في محل كلامنا وهو فرض دوران الامر بين المحذورين حيث علم المكلف وجدانا اما بالوجوب او الحرمة.

فالمتحصل لما سبرنا واستقرأنا الملاكات المحتملة للتخيير في اخبارها اي الملاك في وجوب الإلتزام باحد المتعارضين رأينا ان جميع الملاكات متوفرة في محل كلامنا وهو فرض دوران الامر بين المحذورين فالنتيجة لزوم الالتزام باحد المحتملين فاذا التزمت فالمقصود بالالتزام حينئذٍ كالالتزام في الخبرين المتعارضين حيث ان معنى الالتزام هناك باحد الخبرين المتعارضين ان تلتزم بحيث يكون التزامك موجبا للتعيين في حقك فاذا تعارض خبران احدهما يقول بالجمعة والآخر بالظهر فمبجرد ان تلتزم باحدهما صار هو المتعين في حقك اي تحولت الحجية من تخييرية الى تعيين فاذا التزمت بفتوى من يقول بوجوب الجمع تعين عليك الاتيان بالجمعة فالمراد بالالتزام الالتزام المؤدي للعمل..

فكذلك المراد من الالتزام في المقام فانه اذا دار الامر بين المحذورين الوجوب او الحرمة وقلنا بانه يجب الالتزام باحدهما كالالتزام في الخبرين المتعارضين فمعنى ذلك انه لو التزمت باحد المحتملين كان هو المتعين في حقك ومع كونه المتعين في حق المكلف فلا مجال للالتزام بالحكم الظاهري وهو الاباحة او البراءة فانه لا يجتمع الالتزامان مع كون المقصود من كل منهما الالتزام المفضي للعمل.

هذا تمام الاستدلال باخبار التخيير على لزوم الإلتزام باحد المحتملين في فرض دوران الامر بين المحذورين.

الدرس 48
الدرس 50