نص الشريط
الدرس 25
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 12/12/1435 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2541
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (345)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين

لازال الكلام في مسالة من كان قاصداً للإقامة ولم يبق من الوقت الا مقدار أربع ركعات، فيجب عليه حينئذٍ الشروع في العصر، لان الحاضر والمقيم اذا لم يبق من وقته الا مقدار أربع ركعات فوظيفته العصر، فاذا شرع في العصر الرباعية، ثم عدل عن نية الاقامة وهو في الصلاة بان لم يركع الركوع الثالث بعد فاذا عدل عن نية الاقامة فقد ذكر سيد العروة ان وظيفته حينئذٍ ان يعدل بصلاته من العصر الى الظهر لأنّه متمكن من الاتيان بالظهر والعصر مترتبتين فانه حينما عدل عن نية الاقامة صارت وظيفته القصر، وهو متمكن اخر الوقت من ادراك الفريضتين فيعدل من العصر الى الظهر ثم يأتي بالعصر.

لكن سيدنا افاد في التعليقة على العروة: بل الظاهر أنه يقطعها ويأتي بالصلاتين قصراً إذا أدرك صلاة العصر أيضاً ولو بركعة، وإلا أتمّ ما بيده قصرا، وليس هذا من موارد العدول كما يظهر وجهه بالتأمل".

ويحتمل في المقام وجوه ثلاثة: وهي المحتملات في صحيحة زرارة التي هي مستند العدول من اللاحقة الى السابقة، ففي صحيحة زرارة قال ”اذا نسيت الظهر حتّى صليت العصر فذكرتها وانت في الصلاة او بعد فراغك فأنوها الأولى ثم صل العصر فانما هي اربع مكان اربع“. فيقال ان ظاهر سياق الرواية ان مورد العدول فرض النسيان بان دخل في اللاحقة سهوا ثم تذكر السابقة واما في محل كلامنا فليس الامر كذلك بل كان قاصدا للاقامة، ثم عدل اثناء الصلاة عن قصد الاقامة فلما عدل فقد انقلبت وظيفته واقعا حيث كان مخاطبا بالعصر تماما واقعا اصبح مخاطبا بالظهرين قصرا، فليس المورد مورد نسيان بان دخل في اللاحقة ناسيا للسابقة.

ولكن يمكن ان يقال ان العرف يلغي خصوصية النسيان ويرى ان المناط من دخل في اللاحقة لعذر ثمّ اراد الرجوع الى السابقة، لأنّه مأمور بها ولا خصوصية للنسيان ولذلك التزم المشهور بان من دخل اللاحقة لشبهة حكمية كان يعتقد انه ليس مخاطبا بالسابقة، او موضوعية كان يعتقد انه اتى بالسابقة فان هذه الروايات تشمله أيضاً.

المحتمل الثاني: ما ذكره سيدنا ”ولكنه محل تأمل بل منع كما أشرنا إليه في التعليقة فإنّ مورد العدول ما إذا كان المصلي مأموراً بالسابقة واقعاً غير أنه لأجل النسيان أو اعتقاد الإتيان شرع في اللاحقة بحيث لو كان ملتفتاً لم يشرع، وليس المقام كذلك، ضرورة أنه حينما أتى باللاحقة كان مأموراً بها حتى واقعاً، بحيث لو أتى وقتئذ بالسابقة كان باطلًا، وإنما تغير الحكم لأجل تبدل الموضوع الموجب لانقلاب الوظيفة، ومثله غير مشمول لأدلة العدول. وعليه فلا مناص من الحكم ببطلان ما بيده، فيرفع اليد ويأتي بالظهر ثم بالعصر إن وسع الوقت لهما كما هو المفروض ولو ببركة حديث من أدرك“. يعني ان مورد العدول من اللاحقة للسابقة كما هو المستفاد من صحيحة زرارة ما اذا كان مأمورا بالسابقة أي انه حينما شرع في اللاحقة كان مأمورا بالسابقة ثم التفت الى انه لم يأت بما هو المأمور به.

وفي محل كلامنا حينما شرع في اللاحقة لم يكن مامورا بالظهر لأنّه كان قاصدا للاقامة ولم يبق من الوقت الا أربع ركعات، ومن كان حاضرا او مقيما ولم يبق من وقته الا أربع فوظيفته العصر فلم يكن مأمورا بالظهر اصلا، فشروعه في العصر شروع بما هو المأمور به غاية ما في الباب انه على في الاثناء، وبعد ان عدل انقلب الموضوع واصبح مخاطبا بالظهرين بعد ان كان مخاطبا بخصوص العصر. وهذا المحتمل مبني على مسلك هو أعرض عنه في صلاة القضاء، فالمشهور يقول ان المكلف مخاطب بخطابين، خطاب الصلاة تماما ان كنت حاضرا او قصرا ان كنت مسافرا بحيث يكون الحضور والسفر شرطا في الوجوب، فعلى هذا المسلك من الطبيعي ان من قصد الاقامة فليس مخاطبا الا بالتمام ومن عدل فليس مخاطبا الا بالقصر.

والمسلك الآخر: ان المكلف مخاطب بالجامع وليس مخاطبا بخطابين وهذا ما اختاره سيدنا في صلاة القضاء وتبعه السيد الصدر في فتاواه ومحصله ان المكلف حين دخول الزوال عليه مخاطب بفريضة الظهر والفريضة لها فردان قصر في فرض السفر وتمام في فرض الحضر، والسفر والحضر ليسا قيدين في الوجوب بل في الواجب، بمعنى ان المكلف مخاطب بالجامع، غاية الامر انه لا تصح منه القصر الا ان يكون مسافرا، ولأجل انهما ليسا قيدا في الوجوب فالوجوب فعلي في حقه سافر ام لا.

وقد اكّد سيدنا على ان هذا هو الصحيح لأنّه لو كان المكلف مكلفا بخطابين لكان السفر تعجيز للنفس عن الامتثال مثلاً لو دخل الزوال وهو حاضر فقد تنجز عليه وجوب التمام فلا يجوز له السفر لان السفر تعجيز للنفس عن امتثال تكليف فعلي منجز وهذا مما لا يمكن الالتزام به لأنّه من الضروري ان المكلف باختياره ان يسافر او لا، كما لو فرضنا ان المكلف من الزوال الى ما قبل الغروب بمقدار ركعتين سافر عدة مرات فهل يلتزم انه خوطب بعدد سفراته؟ فلأجل ذلك ذهب الى ان المكلف مخاطب بخطاب واحد وهو الجامع وان السفر ليس قيدا الا في الواجب.

وعليه على هذا المبنى نقول ان المكلف في اخر الوقت حيث لم يبق منه الا مقدار أربع ركعات هو مخاطب بالجامع، مخاطب بالعصر قصرا في السفر وتماما في الحضر وعلى احد الفردين وهو القصر في السفر يكون أيضاً مخاطب بالظهر لتمكنه منها فدعوى ان المكلف اذا بقي من وقته مقدار أربع ركعات وكان قاصدا للإقامة فليس مأمورا بالظهر ولأنّه ليس مأمورا بالظهر فلا تشمله روايات العدول هذه الدعوى غير تامة لأنّه بناءً على مسلكه بان المكلف مخاطب في كل آن بالجامع فهو مأمور بالظهر قصرا وان كانت لا تصح منه الا اذا عدل.

المحتمل الثالث: ان يقال ان المستفاد من صحيحة زرارة اذا نسيت الظهر حتّى صليت العصر فذكرتها وانت في صلاة، ان مورد العدول من تصح منه السابقة حين شروعه في اللاحقة لا من كان مأمورا، فنقول حتّى لو فرضنا ان المكلف في اخر الوقت مأمور بالجامع الا انه لا تصح منه السابقة اذ ما دام قاصدا للإقامة فلا تصح منه الا العصر تماما. فحين شروعه في العصر بقصد التمام لم تصح منه الظهر وان كان مأمورا بها فليست العبرة انها مأمورٌ بها، لأنّه لو اراد ان يصلي الظهر في ذلك الوقت والتفت وهو قاصد للإقامة ولم يبق مقدار أربع ركعات لم تصح منه ولا تصح منه الا العصر فحيث استفدنا من صحيحة زرارة ان مورد العدول من دخل في اللاحقة وكانت تصح منه السابقة، فلا شمول للصحيحة لمحل الكلام. وهذا المحتمل لا يبعد استفادته من الرواية، وعليه يتعين عليه قطع الصلاة فاذا استأنف فان كان يمكنه ادراك فريضتين ولو بركعة من العصر، وان لم يمكنه ادراك العصر ولو بركعة تعين عليه ان يأتي بالعصر قصرا.

مسألة 12 من العروة: إذا اعتقد في أثناء العصر أنه ترك الظهر فعدل إليها ثم تبين أنه كان آتياً بها فالظاهر جواز العدول منها إلى العصر ثانياً، لكن لا يخلو عن إشكال، فالأحوط بعد الإتمام الإعادة أيضاً.

قال السيد الخوئي في تعليقته: هذا الاحتياط لا يترك فيما إذا أتى بركن بعد العدول، وأما إذا أتى بجزء غير ركني فاللازم الإتيان به ثانياً فلا حاجة إلى الإعادة، وأما مع عدم الإتيان بشي‌ء فلا إشكال فيه".

وقد افاد في شرح المسالة ج11 ص 404 " صور المسألة ثلاث:

إذ تارة لم يصدر ما بين العدولين أي جزء‌ صلاتي لقصر الفترة المتخللة بينهما، وأُخرى يصدر جزء غير ركني، وثالثة جزء ركني. ولاينبغي الشك في الصحة في الصورة الاولى، لا لجواز العدول من السابقة إلى اللاحقة في المقام، إذ قد عرفت منعه بنطاق عام، وعلى تقدير تسليمه فمورده العدول من صلاة إلى أُخرى"

أقول: اي من صلاة صحيحة الى صلاة صحيحة وفي مورد الكلام عدوله الان من الظهر الى العصر من صلاة وهمية الى صلاة فعلية لا من صحيحة الى صحيحة لأنّه زعم انه لم يصل الظهر فتبين انه صلّاها.

قال سيدنا: لا من عمل عبث تخيل أنه منها كما في محل الكلام، بل الوجه فيها أنه لدى التحليل لم يكن من العدول في شي‌ء، إذ قد أتى بجميع أجزاء العصر بنيتها، غايته أنه تخيل في الأثناء ترك الظهر فعدل وعاد من غير أن يترتب عليه أي أثر خارجاً، ولا دليل على قدح مجرد هذه النية الزائلة وإخلالها بالاستدامة الحكمية المعتبرة بعد صدور تمام أجزاء العصر عن نيتها، وهذا واضح «فانه وان لم تستدم منه النية الا انه لا دليل على اعتبار الاستدامة حتّى في غير الاجزاء لأنّه عدل في ان من الانات ولم يتلبس في جزء من الإجزاء»، وأما في الصورة الثانية «وهو ما لو اتى بالظهر واتى بالتشهد مثلا بقصد الظهر» فالظاهر الصحة أيضاً شريطة تدارك ما أتى به بنية الظهر وإعادته بقصد العصر، إذ لا خلل ثمة ما عدا زيادة جزء غير ركني سهواً ولا ضير فيه بمقتضى حديث لا تعاد. نعم، لا سبيل للعدول في الصورة الثالثة «لو اتى بالركوع والتفت الى انه اتى بالظهر هنا تبطل صلاته»، للزوم زيادة الركن إن تدارك ونقيصته من صلاة العصر إن لم يتدارك، ومعه لا مناص من الحكم بالبطلان، إذ لا وجه للصحة عدا ما يتخيل من استفادتها من جملة من النصوص.

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة قال: في كتاب حريز أنه قال: «إني نسيت أني في صلاة فريضة حتى ركعت، وأنا أنويها تطوعاً، قال فقال : هي التي قمت فيها، إذا كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة، وإن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، وإن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة.

اقول: فقد يدعى ان ظاهر هذه الرواية ان المدار على النية الاولى فلو اتى بركوع بقصد النافلة صحت صلاته، وكذلك في المقام لو اتى بركوع يصح منه ذلك الركوع عصرا.

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن العياشي عن معاوية قال: سألت أبا عبد اللّٰه عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة، قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه.

ومنها: ما رواه عنه أيضاً بإسناده عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه قال: «سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو ينوي أنها نافلة، فقال: هي التي قمت فيها ولها إلى أن قال: وإنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته. حيث دلت على أن الصلاة على ما افتتحت وعلى ما قام إليها، ولا تضره نية الخلاف".

والحمد لله رب العالمين

الدرس 24
الدرس 26