نص الشريط
الدرس 29
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 18/12/1435 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2559
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (382)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين.

ما زال الكلام في ادلة شرعية عبادات الصبي. ووصلنا الى الدليل الثالث الذي ذكره سيدنا «قدس سره» ومحصله:

ان الامر بالامر بالشيء امر بذلك الشي واستدل عليه برويات منها: ما ورد في باب الصلاة والصوم وقد سبق التامل في الاستدلال بهذه الروايات. ومن هذه الروايات التي استدل بها ما ورد في باب الحج. وهي معتبرة اسحاق ابن عمار في الكافي الجزء الرابع صفحة ثلاثمائة وأربعة، سالت ابا عبد الله عن غلمان لنا. دخلوا معنا مكة بعمرة وخرجوا معنا الى عرفات بغير احرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون واذبحو عنهم كما تذبحون عن انفسكم. ومفاد الرواية ان الولي مامور من قبل الامام بان يأمر الصبي ان يغتسل ويحرم. ثم يخرج الى عرفات. فتكون هذه الرواية صغرى للقاعدة الامر بالامر بالشيء امر بذلك الشيء. حيث ان النتيجة ان الاحرام مأمور به إحرام الصبي. ومقتضى كونه مأمورا به انه عبادة شرعية. ولكن هذا الاستدلال مع غمض النظر عن الكبرى التي ناقشنا فيها امس. انما يتم لو تصورنا ان هناك امرين: امرا بالاحرام للعمرة، وقد امتثل هذا لان الصبي قد اعتمر، وامرا بالاحرام الى الحج، فاراد الامام من الولي ان يامر الصبي بهذا الاحرام الجديد الا وهو الاحرام من الحج، وهذا انما يتصور فيما لو كانت العمرة التي اتى بها الصبي عمرة مفردة فيقال اعتمر الصبي عمرة مفردة مستقلة عن الحج، ثم خرج الى عرفات مع الحجيج فالامام ع قال: بما ان الصبي مخاطب كسائر المخاطبين بالحج فليامره وليه بان يحرم للحج، ولكن كما يحتمل ذلك يتحمل ان الامر باحرام الحج هنا لاجل توقف صحة العمل المجموعي عليه لا لان الصبي مامو به. وبيان ذلك: ان الصبي اعتمر عمرة التمتع ولي المفردة، فبما انه اعتمر عمرة التمتع فلا تصح منه حتى يحرم للحج، فلما لم يعقبها بالاحرام للحج لا تكون العمرة تمتعا وحينئذ فلا يوجد امر تكليفي جديد بالاحرام انما هو تتميم لعمرة التمتع التي صدرت من الصبي. وبناء على ذلك: فالامام انما يريد ان يقول لوليه لا يصح من هذا الصبي التمتع حتى يلحقه باحرام للحج، فمره بالاحرام لا انه الاحرام منه مطلوب بل حتى لو تصح منه عرمة التمتع التي اتى به فلا بد له من حرام. إذاً فقول الامام ع لهم يغتسلون ثم يحرمون واذبحوا عنهم كما تذبحون عن انفسكم. يحتمل وجهين: الوجه الاول يحتمل انه امر تلكيفي للولي بان يامر الصبي بالاحرام للحج وحينئذ يتم الاستدلال كما أراد السيد الخوئي. الوجه الثاني ويحتمل انه وجه ارشاد الى انه بما ان الصبي اعتمر عمرة التمتع فلا تصح منه عمرة التمتع حتّى يحرم للحج.. فقوله : مره بان يغتسل ويحرم لغرض الارشاد الى تصحيح العمل لا انه امر مولوي بالامر كي يندرج تحت كبرى الامر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيءٍ. فلعل الصبي اعتمر عمرة التمتع بامر من الولي لانه يستحب للولي إحجاج الصبي فالحج حينئذ صادر من الولي، والصبيى مجرد موضوع للحج، فلعل الولي احج الصبي وجعله محرما باحرام عمرة التمتع وحيئنذ لا يصح هذا العمل من الصبي حتى يحلقه باحرام الحج. فما دامت الرواية تحتمل الوجهين انها امر مولوي للولي بان يامر الصبي بان يحرم الصبي ويتم الاستدلال او انها مجرد ارشاد من الامام للولي على ان ما يصح اذا اتممته بإحرامه للحج. فمع إجمال الرواية بين الوجهين لا يصح الاستدلال بها على شرعية عبادة الصبي ومنها الإحرام.

مضافا الى انه قد يقال أن الغلمان هم عبيد ولا شاهد على ان المراد الصبيه غير البالغين فاحتمال كون المراد بهم العبيد احتمال وارد لفترة اطلاق هذا العنوان على العبيد حيث قالت الرواية: سالت ابا عبد الله عن غلام لنا دخلوا معنا مكة..... وبالتالي فمع ورود هذا الاحتمال تكون الرواية اجنبية عن محل الكلام وهو اندراجها تحت كبر الامر بالامر بالشي امر بذلك الشيء. بناء على ان المأمور الثاني هو الصبي. هذا تمام الكلام في هذا الدليل الثالث وتبين عدم تماميته. ولكن على فرض تماميته وهو أن هناك ادلة على شرعية صلاة الصبي وصيامه وحجه فهل يستفاد من هذه الروايات شرعية جميع العبادات فيستدل بها على ان صلاته على الميت شرعية وتجهيزه للميت شرعي وما أشبه ذلك من الموارد؟. في هذا التعميم تأمل: لعل للصلاة اليومية ولصيام رمضان وللحج خصوصية بحيث اقتضت ان تكون شرعية من الصبي وان لم تكن باقي العبادات شرعية منه. ولذلك ذكر سيدنا «قدس» عدم الاجتزاء بعض العبادات الاخرى وان قلنا بشرعية صلاته وصومه وحجه. الدليل الرابع: ما ورد في عدة روايات من مؤاخذة الصبي على الصلاة والتشديد عليه، ففي الباب الثالث من أبواب أعداد الفرائض عدة روايات منها: صحيحة معاوية بن وهب حديث واحد سألت ابا عبد الله في كم يؤخذ الصبي في الصلاة؟ فقال: فيما بين سبعة سنين وست سنين. فيقال: ان مؤاخذة الصبي على الصلاة في هذا السن الذي ليس من سنة التكليف دال بالدلالة الالتزامية على ان الصلة منه شرعية... لما اخذ بها ام غلظ عليه فيها. ومن هذه الروايات: صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما حديث اثنين: في الصبي متى يصلي؟ فقال: اذا عقل الصلاة؟ قلت متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ فقال: لست سنين. وهذا الرواية وان كان بعض الذيل منها مجملا وهو قوله: متى تجب عليه. اذ يحتمل ان المراد متى تجب عليه يعني اذا مات؟ اي متى تجب الصلاة عليه اذا مات؟ فقال: اذا كان ابن ست سنين فأنّه تجب الصلاة اذا مات. ويحتمل ان المراد متى تجب الصلاة عليه. بمعنى الوجوب الثبوت اي متى تثبت الصلاة في حقه ولو على نحو الخطاب الاستحبابي فقالا اذا بلغ ست سنين. فالذيل من هذه الجهة وان كان مجملا الا انه غير ضائر للاستدلال فأنها واضحة الدلالة متى تكون الصلاة منه مشروعة صحيحة. قال: اذا عقل الصلاة. ثم بين انه اذا بلغ ست سنين فقد عقل الصلاة. ومنها: معتبرة اسحاق بن عمار وهي حديث اربعة من نفس الباب: عن ابي عبد الله ع قال: اذا اتى على الصبي ست سنين وجب عليه الصلاة واذا اطاق الصوم وجب عليه الصيام. ووجه الاستلال بهذه الرواية. ان مقتضى القرينة القطعية وهو عدم تكليف الصبي بالصلاة وهو ابن ست سنين ان المراد بالوجوب هنا هو الثبوت بمعنى ان الخطاب في الصلاة ثابت في حقه ثبوتا مبنيا، كما ورد التعبير في غسل الجمعة انه واجب والمراد بوجوبه ثبوته. منها: حديث واحد باب اربعة من ابواب اعداد الفرائض: قال: كان علي بن الحسين يامر الصبيان يجمعون بين المغرب والعشاء ويقول: هو خير من اني يناموا عنها «اي عن العشاء»؟ فيقال ان ظاهرها أن شرعية الصلاة في حق الصبي مفروغ عنه. وانما امرهم بالصلاة خوفا من فوت صلاة العشاء. ومنها: هذه الرواية ايضا حديث جابر حديث اثنين عن ابي جعفر «عن» قال سألته عن الصبيان اذا صفوا في الصلاة المكتوبة. قال: لا تأخروهم عن الصلاة، وفرقوا بينهم. - يعني بين الذكور والإناث -. فيقال: بان الامام قرن عدم التأخر بالتفريق فكما ان التفريق بينهم مامور به ايضا عدم التاخير مامور به. ومتقضى الامر بعدم التاخير المفروغية عن مشروعية الصلاة في حق الصبيان. والخلاصة: ان المستفاد من مجموع هذه الروايات شرعية الصلاة والصوم في حق الصبي بمعنى كونه مامورا بها امرا ندبيا. فاذا لم تتم الكبرى التي ذكرنا في الدليل السابق وهو ان الامر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء.. فمع ذلك يمكن الاستدلال على شرعية صلاة الصبي وصومه في هذه الروايات. وهنا افاد السيد الشهيد «قدس» في شرح العروة. فقال: بل يمكن الاستدلال بالروايات السابقة وهو قوله:: مروا صبيانكم بالصلاة اذا كانوا بني سبع سنين. على شرعية عبادات الصبي مع غمض النظر عن الامر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء. بحيث حتى لو لم نقل بهذا الكبرى مع ذلك يصح الاستدلال على الاستدلال على شرعية عبادات الصبي. وبيان ذلك: افاد بان تلك الروايات تصرح بان الصبي مامور بالصلاة فهل هو مامور بالصلاة الصورة او الصحيحة؟ لا يحتمل ان كون مأمورا بالصلاة الصورية فإن هذا خلف الغرض اذ الغرض من امره بالصلاة ان يكون قادرا على الاتيان بالصلاة الشرعية الصحيحة لو بلغ. فمقتضى هذا الغرض ان لايكون مامورا بصورة الصلاة باي نحو كان، فلا محالة يتعين ان يكون المامور به في حق الصبي هو الصلاة الصحيحة ومقتضى كونه مامورا بالصلاة الصحيحة ان صلاته شرعية. اذ لا معنى لكون الصلاة صحيحة الا اذا كان مأمورا بها. فاذا كانت صلاته صحيحة فمقتضى ذلك أنه مأمور بهذه الصلاة وإلا لم تقع صحيحة ام تتصف بالصحة. فحتى لو اغمضنا النظر عن كبرى ان الامر بالأمر بالشيء امر بذلك الشي. مع ذلك يتم الاستدلال بهذه الروايات على شرعية صلاة الصبي بمجرد انها مامور بها اذ لا يحتمل ان يامر بالصلاة الصورية.

ولكن يلاحظ على ما افيد:

ان ظاهر هذه الروايات ان ما امر به الصبي الصلاة الجامعة للاجزاء اولشراط، لان ذلك هو المحقق للغرض من الامر الا ان ذلك لا يستلزم الامر بالصلاة ففرق بين ان يكون الصبي مامور بالصلاة التامة وبين ان تكون صلاىته مامورا بها فانه لا ملازمة بين الامرين لا عقلية ولا عرفية، ولاجل ذلك مجرد ان الصبي مامور بصلاة تامة لا يدل على ان صلاته شرعية بمعنى انها قد امر بها كما هو الغرض من الاستدلال.

الدليل الخامس: على شرعية عبادات الصبي. ما تعرض له سيدنا ق في المتعمد في الجزء السابع والعشرون صفحة ستة. فهناك: افاد «قدس» أنه قد ورد في خصوص نيابة الحج عن الميت. ما يشمل باطلاقه الصبي. كما في معتبرة معاوية ابن عمار باب ثمانية وعشرون حديث ستة، قلت: لابي عبد الله ع ما يحلق الرجل بعد موته؟ فقال: ذكر الصدقة ثم قال: والولد الطيب يدعوا لوالديه بعد موتهما ويحج ويتصدق ويعتق عنهما ويصلي ويصوم عنهما.

فأن اطلاق عنوان الولد شموله لغير البالغ. وبناء على ذلك فإن ظاهر الرواية ان نيابة الولد عن ابيه مشروعة وصحيحة وأن لم يكن بالغا. فهذا يدل على شرعية عباداته ولو في الجملة لانه دل على شرعية نيابته عن ابيه الميت. قال: ويحج ويتصدق ويعتق عنهما ويصلي ويصوم عنهما..... الخ. ويلاحظ على الاستدلال: اولا: صحة نيابة الصبي على غيره لا تبتني على شرعية عباداته. احدهما: هل ان الصبي مخاطب عن الصلاة عن نفسه وهذا ما يعبر عن بشر عية عباداته.

ومطلب اخر: هل ان الصبي مخاطب عن غيره في صوم او صلاة او حج؟ وهذا مطلب آخر. فنحن والدليل فاذا قام الدليل على احدهما فالتعدية للآخر تحتاج الى شاهد ولذلك فرّق الاعلام ومنهم سيدنا «ق» في معاملات الصبي فقالوا: بيعه في مال غير باذنه صحيح، واما بيعه لمال نفسه فلا يصح حتى مع اذن الولي. مما يعني عدم الملازمة ما يرجع الى نفسه وما يرجع الى غيره.

وبالنتيجة قيام دليل على شرعية نيابته عن الغير اذا كان مميزا لا يدل على شرعية صدور العمل عن نفسه. وثانيا: على فرض تسليم الملازمة ودعوى ان هناك ملازمة ارتكازية بمعنى انه اذا شرع في حقه الصلاة عن نفسه. فان هذه الصحيحة ليست فيم مقام البيان من جهة مطلوبية بالنيابة. وانما هي في مقام البيان من جهة الميت. فكأنه قال: ان الإنسان لا ينقضي عمله بموته بل يمتد عمله الى ما بعد موته اما بصدقة او سنة او بولد صالح. فهو في مقام بيان ما ينفع الميت بعد موته وليست في مقام بيان مطلوبية صحة النيابة كي يتمسك بإطلاق هذه الفرد صحة نيابة غير البالغ. وثالثا: على فرض انها في مقام البيان وأن لها اطلاقاً فقد ذكر شيخنا الاستاذ في تهذيبه في الجزء الاول صحفة مئتين وسبعة بأن ما ورد في السياق: من انه يتصدق عنهما ويعتق عنهما. مانع من شمولها من صحة غير البالغ. لعدم صحة الصدقة والعتق من الصبي فان لم يصح اهذه السياق للقرينية على أن المراد بالولد هو الولد البالغ فلا اقل من احتفاف الخطاب بما يحتمل قرينيته وهو مانع من إطلاقه وشموله لغير البالغ. فتأمل.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 28
الدرس 30