نص الشريط
الدرس 31
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 20/12/1435 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 3091
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (338)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق ان سيدنا ق في الجزء الثاني من الموسوعة في باب الصوم ذكر تنبيها وهو هناك فرقا بين الوضوء اثناء الصلاة او الوضوء اثناء الصيام، فمن بلغ اثناء الصلاة يمكن الاجتزاء بصلاته، واما من بلغ اثناء الصيام فلا يشمله الامر الوجوبي بالصوم. وقد افاد ق في الفرق بين الموردين. وجها يبتني على مقدمتين:

المقدمة الاولى: ان المأمور به الاولي في باب الصلاة يختلف عن المأمور به الاولى في باب الصوم. فالمأمور به الاولي في باب الصلاة الطبيعة ذات الافراد المختلفة، فالمأمور به في قوله: اقم الصلاة طبيعي الصلاة ذو الافراد المختلفة من كونه صلاة فرادا او جماعة حال الاضطرار او حال الاختيار. ادرك ركعة او تمام الركعات. بينما المأمور به في باب الصوم الطبيعي المنحصر في الفرد، فاذا قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ او ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ طبيعي صوم رمضان في هذا اليوم وليس هناك فرق اخر، فالمطلوب من المكلف في كل يوم طبيعي الصوم في هذا اليوم. وليس هناك فرق اخر. اذاً متعلق الامر بالصلاة ذو سعة من حيث الافراد، بينما متعلق الامر بالصوم وان كان طبيعيا لكن ليس ذا سعة من حيث الافراد بل يجب ايجاد الطبيعي لهذا اليوم. هذه المقدمة الاولى.

المقدمة الثانية: مطوية في كلامه وتحتاج الى تنبيه: انه ذكر في بحث التزاحم في الاصول أنه ما هو المأمور به في الصلاة مثلا كقوله مثلاً: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ، طبيعي الصلاة المقدور بالقدرة على احد افراده. فلو فرضنا ان المكلف صلّى في الدار المغصوبة، فهل يكون هذا الفرد من الصلاة امثالا للأمر بالطبعي ام لا؟

فأفُيد هناك في الاصول ان المكلف هل له مندوحة او ليس له مندوحة، فان كان له مندوحة بمعنى انه كان يمكنه ان يصلي صلاة اختيارية في غير الدار المغصوبة لكنه اوقع الصلاة في الدار المغصوبة. فهنا يقال: ان هذا المكلف حيث انه قادر على ايجاد الطبيعي اذ المأمور به الطبيعي المقدور بالقدرة على احد افراده وهذا قادر على الطبيعي بالقدرة على احد افراده اذاً فهو مخاطب بالطبيعي، ومقتضى كوه مخاطب بالطبيعي انه اذا اتى بالصلاة في الدار المغصوب بقصد امتثال الطبيعي وقع امتثاله وان اركب معصية بالقصد.

أما إذا افترضنا ان المكلف لا مندوحة له ولا مجال امامه الا ان يصلي في الدار المغصوبة. فبالنسبة اليه سوف يقع التنافي بين حرمة الغصب والامر بالصلاة ومتقضى التنافي بينهما عدم فعلية كليهما بل الفعلي احدهما. فأما ان يحرم عليه الغصب او تجب عليه الصلاة. وبناء على ذلك فهذا المكلف ليس مخاطبا بالطبيعي لأنه انما يكون مخاطبا بالطبيعي عند القدرة عليه بالقدرة على أحد أفراده وهذا غير قادر لتزاحم الصلاة المأمور بها مع الغصب المنهي عنه.

إذاً فيقع الكلام يقدم الامر يقدم النهي. فهذا التفكيك الذي ذكر في بحث التزاحم يأتي في المقام. فيقال: اذا كان المكلف مأموراً بالصلاة وهو قادر على الصلاة بالقدرة على احد افرادها فدخل في الصلاة فبلغ اثناء الصلاة فيقال: ان هذا المكلف الذي بلغ اثناء الصلاة وتوجه اليه امر بطبيعي الصلاة. والمأمور به بهذا الامر الوجوبي الصلاة المقدورة بالقدرة على احدها وهو قادر على ان يستبدل هذا الفرد بفرد اخر لم يشرع فيه فبما أنه حينما خوطب بطبيعي الصلاة على نحو اللزوم كان قادرا على احد افراد الصلاة فلو اتى بهذه الصلاة التي بلغ فيها بقصد الامر بالطبيعي صحت.

وأما بالنسبة للصيام فإذا بلغ اثناء النهار وخوطب بالصوم الواجب فالصوم الواجب غير مقدور لأنه لا يقدر على هذا الطبيعي بالقدرة على فرده إذ المفروض أن هذا الفرد الذي شرع فيه لا يصلح أن يكون مثالا للصوم لأنه ناقص وليس له قدرة على فرد آخر. فالمأمور به بالأمر الوجوبي اما الصوم التام فليس له قدره عليه، او الصوم الناقص فلا دليل على قيامه مقام الكامل. فلذلك بناء على هذا الوجه صح التفصيل أنّ من بلغ اثناء الصلاة وإن كان يمكنه أن يستأنف صلاة جديدة إلا أنّ صلاته تقع امتثالا للأمر الوجوبي فلا يجب عليه الاعادة ولا القضاء. واما من بلغ اثناء الصيام فلا يتوجه اليه الامر الوجوبي بالمرة لأنه غير قادر عليه. فلا يجب عليه الاداء ولا القضاء. إذ وجوب القضاء فرع الفوت. وهذا المكلف ان كان الامر الوجوبي فعليا في حقه اثناء النهار فقد امتثل وان لم يكن فعليا في حقه فلم يكن مخاطباً به أصلاً، فلا فوت. فموضوع وجوب القضاء منتف على كل حال.

ويلاحظ على ما افيد: أن المسألة لا تبتني على ان المأمور به ذو سعة من حيث الأفراد او ليس كذلك كما قرر في المقدمة الاولى وانما في استظهار هل ان المأمور به في الامر الوجوب هو نفسه المأمور به في الامر الندبي وإنما الاختلاف في الحكم؟ أو انه غيره؟

فان قلنا كما قال به «قد» في الصلاة حيث أفاد ان صلاة الظهر حقيقة واحدة غاية ما في الباب تارة يأمر بها امرا لزوميا ان كان المخاطب بالغا، وتارة يأمر بها أمراً ندبياً إن كان المخاطب صبياً، والا المأمور به حقيقة واحدة. فهنا لو دخل صلاة الظهر ودخل في اثناءها فالأمر الحادث ببركة البلوغ متعلق بنفسه ما كان متعلقا بالأمر الندبي، فبما ان المتعلق واحد والفرق انما في الحكم ليس الا فمن الواضح ان اختلاف الحكم بكونه وجوبيا او ندبيا لا اثر له في الاجتزاء او عدمه ما دام المأمور به في كلا الامرين واحدا وقد حققه. فان قلت: بأن ظاهر الامر الوجوبي احداث الصلاة بعد عدمها. قلنا وهذا قد احدث الصلاة بعد عدهما. وهذا قد احدث صلاة الظهر بعد عدهما. فان قلنا هذا بالصيام اي ان صوم شهر رمضان حقيقة واحدة. غاية ما في الباب ان كان المخاطب بالغا كان الامر وجوبيا وان كان صبياً كان الأمر ندبيا، فإذا بلغ أثناء الصيام فليس المأمور به ب الأمر الوجوبي إلا ما هو فيه نفسه وليس شيئا اخر. فلا فرق بين كون المأمور به طبيعة ذات افراد او طبيعة منحصرة بفرد. إذ ما دام قد شرع المكلف في نفس ما هو مأمور به بالأمر الوجوبي فمقتضى ذلك فعلية الأمر الوجوبي في حقه والأجتزاء في صيامه امتثالا له. وهذا هو الظاهر من الادلة كما سبق بيانه.

وأما دعوى أن هناك تعددا في الامر وتعددا في المأمور به فهناك امر ندبي بصيام تمام اليوم وأمر وجوبي بصيام تمام اليوم وبالتالي فما هو المأمور به بالأمر الوجوبي مغاير لما هو المأمور به في الأمر الندبي. نعم هذه الدعوى لو تمت فمقتضاها عدم فعلية الأمر الوجوبي في حقه. لكنها خلاف ظاهر الادلة. مضافاً لما اشار اليه الشيخ في فرض انه شرع في صلاته لكنه لو استأنف لم يتمكن الا من ركعة واحدة، فهنا هو أفاد «قد» «صحفة4» فقال: ليس له الاستئناف. لأنّ حديث من ادرك، لا يشمل التعجيز الاختياري، وبما انه قادر على ان يأتي في تمام الركعات في الوقت فلا يشمله حديث من ادرك.

فيقال: ان قدرته على اتيان تمام الركعات في الوقت فرع كونه مخاطبا بالأمر الوجوبي، فإذا كان خطابه بالأمر الوجوبي فرع قدرته على فرد اخر غير هذا الفرد للزم الدور. هذه النقطة تأملوا فيها. هذا تمام الكلام في هذا الفرع.

وقد تلخص في ذلك: ان عبادات الصبي شرعية في الصوم والصلاة او الحج ومقتضى ذلك انه لو بلغ اثناء صلاته او صيامه صح منه ذلك. نأتي لفرع اخر وهو ما تعرض له سيدنا «قد» «صفحة412» من الجزء «11» عند كلامه حول مسألة عشرين من مسائل العروة: إذا شك في اثناء العصر انه اتى بالظهر ام لا؟ فهل تجري قاعدة التجاوز في حقه؟ أم يستصحب عدم الاتيان بالظهر ويعدل بصلاته الى الظهر؟. وتارة يكون هذا الشك في الوقت المشترك وتارة يكون في الوقت المختص. فالكلام فعلا في الجهة الاولى وهو ما اذا دخل صلاة العصر في الوقت المشترك وشك انه اتى بالظهر قبلها ام لا؟ فهل يمكنه اثبات وجود الظهر قبلها بقاعدة التجاوز ام لا؟ والبحث في هذه الجهة ايضا في مطلبين:

المطلب الاول: تارة نريد اثبات وجود الظهر بقاعدة التجاوز، وتارة نريد اثبات صحة العصر مع غمض النظر عن الاتيان بالظهر بالقاعدة والسيد لم يبحث المطلب الثاني بحث المطلب الاول. فبالنسبة للمطلب الاول يقع الكلام في ان قاعدة التجاوز هل تجري وبها يثبت انه اتى بالظهر. ام لا؟ فقد يقال في تقريب جريان قاعدة التجاوز في المقام وجوه: الوجه الاول: ما يتألف من مقدمتين:

الاولى: ان قوله : «انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه»، او قوله : «اذا شككت في شيء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء او فليس شكك في شيء». لا يراد به تجاوز نفس الشيء إذ لا يجتمع تجاوز نفس الشي مع الشك في وجوده، كيف يعقل أن يشك في وجوده وهو قد احرز تجاوزه، هذا لا يعقل. فليس معنى التجاوز تجاوز نفس الشيء لأنه لا يجتمع مع الشك في وجوده، فالمراد لا محاله بالتجاوز تجاوز محله الشرعي. والمراد بالمحل الشرعي الذي يصدق بتجاوزه تجاوز الشيء ان يدخل فيما صحته مترتبة على سبق المشكوك. فاذا دخل في امر لا يصح الا مع سبق المشكوك كان ذلك تجاوزا للمحل الشرعي بالنسبة للمشكوك، كما لو دخل في الركوع فشك في القراءة او دخل في السجود فشك في الر كوع فبما انه دخل في امر لا يصح الا بسبق الاول صدق عليه انه تجاوز الاول. هذه المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية: مقتضى اطلاق النصوص «اذا شككت في شيء وقد دخلت في غيره فليس شكك في شيء». مقتضى الاطلاق جريان قاعدة التجاوز عند الدخول في الغير المترتب شرعاً. سواءً كان ذلك في أجزئ مركب واحد او في مركبات متعددة اذا كان المركب الثاني مما تتوقف صحته على الاول ولذلك تجري قاعدة التجاوز في الشك في الطواف اذا تلبس في السعي، فاذا تلبس في السعي وشك انه طاف ام لم يطف اجرى قاعدة التجاوز. كما ان متقضى اطلاق النصوص ان يدخل في المترتب صحته، بأن يكون السابق دخيلا في صحة اللاحق وان لم يكن اللاحق دخيلا في صحة السابق. فمثلا: من دخل في طوف النساء وشك في انه سعى ام لم يسعى اجرى قاعدة التجاوز حيث ان سبق السعي دخيل في صحة طواف النساء وان لم يكن العكس إذ ليس لحوق طواف النساء في صحة السعي فسواء تعقبه طواف النساء ام لم يتعقبه هو سعي صحيح. وبناءً على ما ذكرنا فمن تلبس بصلاة العصر وشك في انه اتى بالظهر فقد تحقق في مناطق التجاوز حيث انه دخل فيما تترتب صحته على السابق وان كانا عملين مركبين وليس عملا واحدا. وإن كانت صحة الظهر منوطة بصحة العصر. هذا تقريب جريان قاعدة التجاوز في المقام.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 30
الدرس 32