نص الشريط
الدرس 32
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/12/1435 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2606
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (307)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وقع البحث في ان من تلبّس بصلاة العصر وشك في انه اتى بالظهر ام لا فهل تجري قاعدة التجاوز في حقه ام لا، وذكرنا ان البحث في جهتين، في اثبات وجود صلاة الظهر وفي تصحيح العصر.

فأما بالنسبة الى الجهة الاولى وهي اجراء قاعدة التجاوز لإثبات وجود الظهر في نفسها فقد قلنا انه يمكن ان يستدل عليه بوجوه سبق الكلام في الوجه الاول.

والمناقشة في الوجه الاول بأحد ملاحظتين، مبنائيتين:

الملاحظة الاولى ان عمدة الاستدلال لجريان قاعدة التجاوز لإثبات وجود الظهر هو ان المراد بالتجاوز في النصوص هو تجاوز المحل الشرعي، والمراد بالمحل الشرعي ان يدخل فيما تتوقف صحته على سبق المشكوك، كما لو شك في الركوع وقد سجد حيث ان صحة السجود تتوقف على سبق الركوع، فاذا شك في الركوع فقد تجاوز محله اذ دخل فيما تتوقف صحته عليه، ول?ن هذا التحليل محل تأمل، والسر في ذلك ان يقال صحيح ان المراد بالتجاوز في الروايات تجاوز المحل كما في صحيحة ابن جابر ”و كل شيء شكّ فيه مما جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه“، فان ظاهرها تجاوز المحل الا ان كفاية ان يدخل فيما تتوقف صحته على المشكوك في تحديد المحل الشرعي محل تأمل.

بل قد يقال ان المحل الشرعي متقوم بدخل اللاحق في صحة السابق ولا يكفيه دخل السابق في صحة اللاحق اما للقرينة السياقية واما لأنّه القدر المتقين من تجاوز المحل....

اما القرينة السياقية فلان المفروض ان الإمام في صحيحة زرارة اجرى قاعدة التجاوز في الأذان بعد أن دخل في الاقامة، مع انّه سبقُ الاذان ليس دخيلا في صحة الاقامة وانما اللحوق دخيل في صحة الاذان، حيث لايقع الاذان بإمتثال امره الاستحبابي الا بلحوق الاقامة فإجراء الإمام قاعدة التجاوز في الاذان لمن أقام قرينة ان المراد بتجاوز المحل ان يدخل فيما يكون صحة السابق موقوفة عليه ولا يكفي العكس.

واذا افترضنا عدم دخول القرينية السياقية في ذلك بان كانت الصحيحة مجملة من هذه الجهة فالقدر المتقين من تجاوز المحل الشرعي ان تدخل فيما يكون صحة السابق موقوفة عليه لأنّه بدخولك فيه لو تذكرت لاضطررت الى الاستئناف والاعادة، فالقدر المتيقن من مجرى قاعدة التجاوز ما اذا كان اللاحق دخيلا في صحة السابق.

وعليه لايمكن جريان قاعدة التجاوز في الظهر لمن دخل في العصر لان الظهر وان كان سبقها دخيلا في صحة العصر، الا ان لحوق العصر ليس دخيلا في صحة الظهر، فالظهر ليست متقيدة بان تكون قبل العصر ولو اتى بالظهر وحدها وترك العصر نسيانا او عصيانا فان الظهر صحيحة.

الملاحظة الثانية: لو سلمنا ان الظهر مقيدة بان تكون قبل العصر، أي ان لحوق العصر دخيل في صحة الظهر الا ان ظاهر سياق قاعدة التجاوز ان يكون هناك مركب تدريجي واحد يشك في جزء منه بعد الدخول في جزء لاحق، واما شمول دليل القاعدة لمركبين وان كان احدهما دخيلا في صحة الآخر فهو خارج عن سياق ادلة القاعدة، إما لان الامثلة التي ذكرها «زرارة بقوله» رجل شك في التكبير وقد قرا ورجل شك في القراءة وقد ركع،... الخ ثم قال «الامام » يا زرارة اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فليس شكك بشيء، فيقال مقتضى الامثلة والمصاديق التي وقع تطبيق القاعدة عليها ان مورد القاعدة هو ”المركب الواحد“.

او بقرينة التعبير بالتجاوز في صحيحة اسماعيل بن جابر حيث قال وكل شيء شكّ فيه مما قد جاوزه فان عنوان التجاوز، ظاهر في انه تلبس بشيء أي انه تلبس بأصل العمل، الا انه تجاوز شيئا من اجزائه وقيوده، فحينئذٍ يقال جاوز شيء الى غيره، ولأجل ذلك لااطلاق في دليل قاعدة التجاوز لإثبات جريانها في المركبات المستقلة.

فان قلت كما ذكر سيد المستمسك: بانّ في روايات قاعدة التجاوز قرائن على العموم مما يكشف عن ان مورد قاعدة التجاوز اثبات الوجود لترتيب ”آثاره“ لالترتيب اثار صحة المركب الذي فيه المشكوك، فليس مساق قاعدة التجاوز ان نثبت المشكوك لأجل تنقيح صحة المركب الذي هو فيه بل مساقها اثبات الوجود لترتيب آثار الوجود، ما يتعلق منها بصحة المركب وما لايتعلق، فمن تلك القرائن ان الإمام اجرى القاعدة لمن شك في القراءة وهو في الركوع مع انه في المقام صلاته صحيحة، وان كان قد ترك القراءة سهوا او غفلة فلا تتوقف صحة صلاته على اثبات وجود القراءة فركوعه صحيح وصلاته كذلك وان تبين انه ترك القراءة واقعا مما يشهد على ان المقصود من جريان قاعدة التجاوز اثبات وجود القراءة لترتيب اثار هذا الوجود مع غمض النظر عن صحة المركب.

ومن اثار هذا الوجود هل عليه سجدتي السهو ام لافبإثبات وجود القراءة ننفي وجوب سجدتي السهو، فلا ينحصر جريناها في اثبات صحة المركب حتّى ينحصر جريانها في المركب الواحد بل اثبات الوجود، سواء تعلقت بصحة المركب ام غيره.

كذلك اجرى الإمام قاعدة التجاوز لمن شك في الاذان وقد اقام مع ان الإقامة صحيحة على كل حال سبقها الاذان ام لا، مما يكشف عن ان قاعدة التجاوز ليس المراد بها اثبات صحة اللاحق بل اثبات الوجود ولو ترتيب اثار امور اخرى كإثبات الامر الندبي بالاذان.

ولكن اعترض عليه بعض المعلقين: بان كل ما ذكرت يدخل في المركب ولا يخرج عنه، فان ما ذكر من القرائن كجريان قاعدة التجاوز في القراءة لنفي وجوب سجدتي السهو ووجوب القضاء وجريان التجاوز في الاذان لإثبات سقوط الامر الندبي كلها تندرج في اطار اثبات اثار هي من شؤون المركب وتوابع ولوازمه وليست اثارا منفصلة عن المركب. فلأجل ذلك تبقى دلالة السياق أي سياق ادلة قاعدة التجاوز او دلالة عنوان التجاوز على ان مورد القاعدة المركب الواحد، الذي شك في بعض اجزائه بعد الدخول في الجزء اللاحق.

ولكن.... اذا قلنا بان القدر المتيقن في مقام التخاطب مانع من اطلاق الجواب وقلنا بان مورد الاسئلة التي طرحها زرارة تشكل قدرا متيقنا في مقام التخاطب فحينئذٍ لايحرز اطلاق الجواب الذي ذكره الامام لغير المركب الواحد بلحاظ مقدماته ومعقباته.

واما اذا لم نسلم الكبرى كما لم يسلم بها السيد الخوئي، او لم نسلم الصغرى ان مورد الاسئلة قدر متيقن في مقام التخاطب، فمقتضى اطلاق الجواب يا زرارة اذا خرجت في شيء ودخلت في غيره فليس شكك في شيء او كل شيء شك فيه مما قد جاوزه يمضي عليه فان عنوان التجاوز لايختص بالمركب 1 بل يشمل بالانتقال من عمل الى عمل مترتب عليه وان كان كلا العملين مستقلين.

بل الانصاف ان اجراء التجاوز في الاقامة مع انهما عملان مستقلان لايبعد أنه يدل على عموم القاعدة بين كل عملين بينهما ربط وان لم يكونا جزئين من مركب واحد فما ذكره سيد المستمسك غير بعيد.

الوجه الآخر لإثبات الظهر لمن دخل في العصر وشك فيها رواية خاصة لاترتبط بقاعدة التجاوز منها ”قَالَ زُرَارَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَإِذَا جَاءَ يَقِينٌ بَعْدَ حَائِلٍ قَضَاهُ ومَضَى عَلَى الْيَقِينِ ويَقْضِي الْحَائِلَ والشَّكَّ جَمِيعاً فَإِنْ شَكَّ فِي الظُّهْرِ فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ قَضَاهَا وإِنْ دَخَلَهُ الشَّكُّ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ فَقَدْ مَضَتْ إِلَّا أَنْ يَسْتَيْقِنَ لِأَنَّ الْعَصْرَ حَائِلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ الظُّهْرِ فَلَا يَدَعُ الْحَائِلَ لِمَا كَانَ مِنَ الشَّكِّ إِلَّا بِيَقِينٍ“.

ووقع الكلام في السند والدلالة اما من جهة السند فقد يشكل بعدم احراز طريق صحيح لابن ادريس الى كتاب حريز الا ان تثبت شهرة كتاب حريز في الصلاة في زمن ابن ادريس.

واما من جهة الدلالة فقد يقال ان المنصرف العرفي من تطبيق عنوان الحائل على العصر هو ما اذا كانت العصر في الوقت المختص كما اذا شك في الظهر وقد دخل في العصر في الوقت الذي لم يبق فيه الا مقدار 4 ركعات فهنا يقال العصر حائل، واما اذا كان في الوقت المشترك فلا ينطبق عليها انها حائل عرفا.

فان قيل: ان ظاهر قوله ”فَإِنْ شَكَّ فِي الظُّهْرِ فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ قَضَاهَا“ ظاهر في النظر في هذا التقسيم الى الوقت المشترك لاخصوص الوقت المختص.

قيل: من المحتمل ان يكون المقصود بينه وبين ان يصلي العصر اي بينه وبين الوقت المختص بصلاة العصر، اي متى ما شك في الظهر وكان الوقت كافيا بينه وبين صلاة العصر قضاها وما اذا لم يكن كذلك فلا.

هذا تمام الكلام في الجهة الاولى وهي اجراء قاعدة التجاوز في الظهر من حيث نفسها.

الجهة الثانية: اجراء قاعدة التجاوز في العصر، مع انه في العصر في تصحيحها حيث ان سبق الظهر من شروطها، فاذا شك في الظهر وهو في العصر فقد شك في ان العصر جامعة للشرائط ومنا سبق الظهر فيجري قاعدة التجاوز لإثبات جامعيتها للشرائط لالإثبات وجود الظهر فمقتضى ذلك ان يبني على صحة العصر نظير من شك في الوضوء بعد الفراغ من الصلاة بنى على صحة الصلاة بقاعدة الفراغ واتى بالوضوء للصلوات الاتية.

وهنا افيد في كتب الاصول في بحث قاعدة التجاوز كما ذكر سيدنا في مصباح الاصول ان الشرط على ثلاثة انواع شرط متقدم ومقارن ومتأخر، فالشرط المتقدم كسبق الظهر على العصر بمعنى ما كان محله قبل الدخول، في المشروط، والشرط المقارن كالاستقبال بالنسبة الى الصلاة فان محله نفس الصلاة، والشرط اللاحق او المتأخر ما ادعي من دخالة غسل الليلة الاتية في صحة صوم المستحاضة في اليوم السابق، وحينئذٍ يقع الكلام هل تجري قاعدة التجاوز اذا شك في الشرط السابق كما اذا شك وهو في العصر في انه اتى بالظهر ام لاحيث ان الشك ليس في شرط مقارن وانما في شرط سابق أي ان محله قبل الدخول في المشروط فقد يقال بما ان المشكوك محله قبل الدخول في المشروط فصدق عنوان تجاوز المحل، فاذا صدق هذا العنوان بالنسبة الى الشرط فنجري قاعدة التجاوز في الشرط وهو شرط سبق الظهر على العصر لالأجل اثبات وجود الظهر بل لإثبات صحة العصر وجامعيتها للشرائط.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 31
الدرس 33