نص الشريط
الدرس 34
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 18/1/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 3173
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (664)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

بقيت مسألة في فروع الخلل في الوقت وهي: ما إذا شكّ المكلف في بقاء الوقت فهل يمكنه ادراك ركعة من الوقت أم لا، وحيث ان البحث في هذه المسألة من صغريات الكبرى الاصولية وهي جريان الاستصحاب في الزمن وعدمه لذلك لابد من التعرض لبعض الأمور الدخيلة في جريان الاستصحاب فيقال تارة: يكون الزمان قيد في الوجوب وتارة يكون قيد في الواجب فهنا مطلبان:

المطلب الاول: ما إذا كان الزمان قيداً في الوجوب سواءً كان هذا التقييد على نحو مفاد كان التامة او على نحو مفاد كان الناقصة، مثلاً لو قال المولى إذا بلغ الصبي في النهار وجب عليه الصوم، فالنهار قيد لوجوب الصوم عليه، وقد اخذ في القضية المجعولة على نحو مفاد كان التامة.

وتارة يقول المولى: إذا كان البلوغ نهارياً فيجب الصوم فالنهارية هناك اخذت على نحو مفاد كان الناقصة، وفي كلا النحوين فإن الزمن وهو النهار قيد في الوجوب، فهل يجري استصحاب النهار إذا شككنا في وجوب الصوم وعدمه كما لو فرضنا ان الصبي بلغ ولكن يشك في انّ النهار مازال باقياً فيجب عليه الصوم ام لا، فهنا افاد جمع من الاعلام وهو الصحيح ان المدار على ان النهارية اخذت على نحو التركيب ام على نحو التقييد، فإذا كان مرجع هذا الدليل الشرعي الى التركيب بمعنى ان موضوع الوجوب مركب من جزئين البلوغ في زمان وكون ذلك الزمان نهاراً فهنا يوجد جزئان لموضوع الوجوب، فإذا استفاد العرف من لسان الدليل أن موضوع الوجوب مركب فيمكن تنقيح موضوع المركب، فيثبت أحد الجزئين بالوجدان وهو انه بلغ في زمان، ويثبت الجزء الآخر بالاستصحاب، بمقتضى استصحاب النهار الى حين بلوغه، ومقتضى ذلك وجوب الصوم عليه واما إذا استفاد العرف من لسان الدليل التقييد، أي ان موضوع الوجوب ليس هو البلوغ في زمان وكون الزمان نهاراً وانما موضوع الوجوب ”نهارية البلوغ“ أي اتصاف البلوغ بكونه نهارياً او اتصاف البلوغ بكونه في النهار، فلا محالة لا يجري استصحاب النهار لأنّه اصل مثبت فاستصحاب بقاء النهار الى حين البلوغ لا يثبت ان هذا البلوغ نهاري، او اتصاف هذا البلوغ بكونه في النهار الا من باب الملازمة العقلية وهذا اصل مثبت.

المطلب الثاني: ان يكون الزمن قيدا في الواجب كما إذا قال المولى لا تصحّ منك صلاة الآيات الا في زمن حدوث الآية، لا يصح منك غسل الجمعة الا مع بقاء نهار الجمعة، ونحو ذلك مما اخذ الزمن قيدا في الصحة لا في الامر، فهنا إذا شكّ المكلف في انّ نهار الجمعة ما زال باقيا فيصح منه الغسل ام لا، فهنا موردان للبحث:

فتارة يكون موضوع الصحة هو العنوان الانتزاعي، وتارة يكون موضوع الصحة منشأ الانتزاع. بيان ذلك: تارة يستفيد العرف من لسان الدليل ان موضوع الصحة هو ”اتصاف“ الغسل بكونه في نهار الجمعة، او كون الغسل غسل جمعة ونحو ذلك فموضوع الصحة هو هذا العنوان الانتزاعي، فمن الواضح حينئذٍ ان جريان الاستصحاب في منشأ الانتزاع وهو استصحاب نفس النهار الى حين اتمامه للغسل لا يثبت العنوان الانتزاعي وهو اتصاف هذا الغسل بكونه غسل جمعة او في نهار الجمعة.

واما إذا كان المستفاد عرفاً من لسان الدليل ان موضوع الصحة نفس منشأ الانتزاع فإن منشأ الانتزاع مؤلف من عنصرين الغسل ونهار الجمعة، فما هو موضوع الصحة هو منشأ الانتزاع لا العنوان الانتزاعي، فهل يجري الاستصحاب ام لا، فهنا وقع البحث في ان الاستصحاب المراد جريانه تارة استصحاب تعليقي واخرى تنجيزي أي لأجل تنقيح منشأ الانتزاع تارة نجري الاستصحاب التعليقي بأن نقول لو اغتسل في هذا الان لكان غسله في نهار الجمعة فهو الان كذلك ولو صلى المكلف قبل هذا الان لكانت صلاته في الوقت فهو الان كذلك.

وتارة نريد الاستصحاب التنجيزي وهو: استصحاب نفس النهار أي بقاؤه، إذا هنا تصويران للاستصحاب. الاول: جريانه في منشأ الانتزاع، والكلام هنا بذكر امرين:

الاول: ذكر في بحث الاستصحاب التعليقي في الاصول ان القضية المجعولة من قبل الشارع تارة تكون فعلية تامة لفعلية تمام قيودها ثم يشك في بقائها لزوال خصوصية يحتمل دخلها في الفعلية مثلاً نجاسة الماء المتغير بالنجاسة فعلية، لفعلية تمام قيودها فإن هناك ماءً تغير بالنجاسة فصارت نجاسته فعلية، ثم زال تغيره بفعل نفسه ونتيجة زوال هذه الخصوصية شككنا بأن النجاسة على نحو الشبهة الحكمية ما زالت باقية لاحتمال ان موضوع النجاسة هو حدوث التغير ام ان النجاسة قد انتفت لاحتمال ان موضوعها هو بقاء التغير فهنا يكون الاستصحاب تنجيزيا فيجري استصحاب النجاسة، إذ المفروض ان المجعول كان فعلياً بفعلية تامة لفعلية تمام قيودها، وتارة يكون المجعول فعليا فعلية ناقصة لعدم فعلية تمام قيوده، ثم إذا تمت القيود نشك في بقاء ذلك الحكم الفعلي لأجل اقتران تمام القيود بزوال خصوصية نحتمل دخلها في الحكم، مثلاً إذا قال المولى العنب إذا غلى يحرم، وهذا المجعول وهو الحرمة صار له نوع من الفعلية بفعلية احد القيدين وهو العنبية، فوجد العنب في الخارج ولكنه لم يغل بعد، فالحرمة لها نوع من الفعلية بفعلية احد القيدين وحينما تمّ القيد الثاني بأن غلى فقد خصوصيته وهو خصوصية العنبية إذ صار زبيبا، فهو لم يغل وهو عنب كي يكون مثلا للمورد الاول وانما بعد ان صار زبيبا غلى أي حينما تحقق القيد الثاني فقد خصوصية يحتمل دخلها في الحكم وهو الرطوبة كان رطبا فاصبح يابسا، فحينئذٍ هل يجري استصحاب الحرمة التي كان لها مقدار من الفعلية بفعلية العنبية وهذا ما يعبر عنه بالاستصحاب التعليقي فمرجع الاستصحاب التعليقي الى استصحاب حكم كان له فعلية بفعلية احد قيديه لكن حين تحقق القيد الآخر فقد خصوصية اوجبت الشك في بقائه. وليس الان محل الكلام في ان الاستصحاب التعليقي تام ام لا وانما الكلام في تصويره.

الامر الثاني: أن ما ذكر على فرض تماميته فإنما يتصور في الاحكام لا في الموضوعات، أي أن الذي كان فعليا لفعلية بعض قيوده هو الحكم فهل يجري استصحابه بعد ان تحقق قيده الآخر وفقد خصوصية ام لا فمحط كلامهم في جريان الاستصحاب التعليقي وعدمه ما إذا كان المستصحب حكما.

والسر في ذلك: أنه حيث لا اثر للحكم الا المنجزية لأنّه إذا ثبت الحكم حكم العقل بمنجزيته فهنا وقع الكلام لديهم انه هل يكفي احراز القضية الشرطية مع احراز قيدها في الخارج في التنجز لان الاثر المترقب هو التنجز، فبما ان الاثر المرتقب في الاحكام هو التنجز أي هل ان حرمة العنب المغلي متنجزة أم لا فبما ان الاثر المترقب في الاحكام تنجزها وعدمه فقد قال جمع انه يكفينا في التنجز ان نحرز القضية المجعولة وان نحرز قيدها وقد احرزنا القضية المجعولة وهو العنب لو غلى يحرم واحرزنا قيدها هو الغليان فبما انه يكفي في تنجز الحرمة احراز نفس القضية المجعولة واحراز قيدها فالقيد محرز بالوجدان وهو الغليان والقضية المجعولة محرزة بالاستصحاب فحينئذٍ يتحقق التنجز فمن قال بجريان الاستصحاب التعليقي بنى على هذا انه لا نحتاج الى اكثر من ان نحرز القضية المجعولة ولو كان على نحو القضية الشرطية ونحرز قيدها وهو الغليان فيكفي ذلك في المنجزية ومقتضاه صحة استصحاب هذه القضية الشرطية واما إذا قلنا ان ذلك لا يكفي لابد ان تحرزوا فعلية الجزاء ولا يكفي ان تحرزوا فعلية القضية الشرطية بما هي شرطية.

إذاً فحيث ان الحرمة لم نجزم بفعليتها فعلية تامة في ظرف سابق حتّى نستصحبها فكل الكلام والنقض والابرام في باب الاستصحاب التعليقي انه هل يكفي في تنجز الحكم احراز القضية الشرطية مع احراز قيدها ام لا بد ان نحرز الجزاء أيضاً فلأجل ذلك نرى ان مناط البحث في جريان الاستصحاب التعليقي وعدمه في الحكم واما لو كان موضوعا من الموضوعات كما هو محل كلامنا لو ان هذا المكلف صلى قبل دقائق لكانت صلاته في الوقت فهذه ليست قضي مجعولة وانما هو موضوع خارجي، فبما ان الاستصحاب التعليقي الذي يراد اجراؤه هنا من قبيل الاستصحاب التعليقي في الموضوعات فلا قائل بجريانه والسر في ذلك انه هل ان المستصحب هو الشرطية نفسها لو صلى قبل دقائق لكانت صلاتها في الوقت فنفس القضية الشرطية نستصحبها أي الملازمة بين الشرط والجزاء فمن الواضح ان هذه القضية الشرطية ليس لها اثر عملي شرعي، وان اردتم باستصحابها ان تثبتوا ان الصلاة الان نهارية فهذا اصل مثبت بل من اردأ انحائه فإن استصحاب الشرطية وهو انه لو صلى قبل هذا الوقت لكانت صلاته في النهار لا يثبت ان صلاته الان نهارية او غسله نهاري. فالاستصحاب التعليقي في الموضوعات لا يجري اما لعدم الاثر واما للأصل المثبت.

انما الكلام في التصوير الثاني وهو لو كان الاستصحاب تنجيزيا أي نستصحب نفس النهار، لأننا نشك في انقضائه فنريد ان نستصحب بقاء النهار فالإشكال الذي ركز عليه السيد الشهيد وجماعة هو انه إذا كان موضوع الصحة تقييدا فإن الاصل مثبت أي إذا كان موضوع الصحة كون الغسل في النهار أي اخذت الظرفية في موضوع الصحة، فإن استصحاب بقاء النهار الى حين الصلاة لازمه عقلاً حصول الظرفية فإثبات الظرفية باستصحاب بقاء النهار اصل مثبت. وان كان على نحو التركيب أي ان موضوع الصحة الغسل في زمان وكون الزمان نهارا فهل يجري الاستصحاب ام لا تعرض السيد الصدر لذلك وقال التركيب غير معقول في قيود الواجب وان كان معقولا في قيود الوجوب، ويأتي تفصيله.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 33
الدرس 35