نص الشريط
الدرس 48
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 9/2/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2588
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (328)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

سبق الكلام في صحيحة زرارة حيث قال فيها: «رجلٌ لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً، قال: إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلّى الأخرى ولا شيء عليه»، تامة سنداً ودلالةً، ولأجل ذلك لابد من المقارنة بينها وبين الطائفة الأخرى من الروايات الدّالة على أنّ مناط الصحّة حفظ الأوليين. وهنا تصوران:

الأول: وقوع التنافي بين صحيحة زرارة الدّالة على أنّ مناط صحّة الصلاة أن يقع الشك بعد الدخول في الثالثة، وبين الصحاح السابقة، كصحيحة البقباق التي قال فيها: «إذا لم تحفظ الاوليين فأعد» الدّالة على أنّ مناط الصحّة أن يحَفظَ الأوليين ولو لم يدخل في الثالثة.

فقد يقال: بالتعارض بين الطائفتين؛ والنتيجة: هي لصالح صحيحة زرارة؛ وذلك: لأنّ صحيحة زرارة أظهر في موردها وهو الشك بين الثانية والثالثة من صحيحة البقباق وغيرها، القائلة: «إن لم تحفظ الأوليين فأعد». حيث إن تلك الصحاح لم تتعرض لنفس المورد وهو الشك بين الثانية والثالثة، فتقدم صحيحة زرارة لاظهريتها، وعلى فرض تكافؤهما في الظهور وتعارضهما فإنّ الشهرة الفتوائية إن كانت من المرجحات كما هو المختار فهي مع صحيحة زرارة؛ لأنّ المشهور افتى: «أنه إذا شك قبل رفع الرأس من السجدة الثانية فهو من الشكوك المبطلة»؛ وهذا يتلائم مع صحيحة زرارة، وعلى فرض تكافؤهما بمعنى: عدم المرجح وتساقطهما، فالمرجع المطلقات، كموثقة موسى بن بكر: «إذا شككت في الأوليين فأعد. وهذا يحتاج إلى البيان، فقد تكرر في الابحاث السابقة انه إذا كان لدينا ثلاثة أدلة: دليلان متكافئان في الظهور متنافيان في المدلول، فبينهما تعارض، ويوجد دليل ثالث يتفق مع مدلول أحد المتعارضين، إلا أنه أقل ظهوراً، فهل يدخل الثالث ضمن المعارضة أم يكون مرجعا بعد تساقط المتعارضين؟، حيث إن المعروف بينهم عدم مراعاة درجات الظهور، فما دام الدليل الثالث موافقاً في مدلوله مع أحد المتعارضين فهو داخل في التعارض. بينما ذهب السيد الشهيد: إلى أنّ الظاهر مرجعٌ عند تعارضُ الأظهرين وليس داخلاً ضمن المعارضة، والسر في ذلك: أنه عند مراجعة أهل المحاورة نرى أنّ العام مرجعٌ عند تعارض الخاصّين، وليس داخلاً ضمن المعارضة، مثلا إذا قال: اكرم العالم، وتعارض دليلان في زيد، وزيد عالم فدليل يقول: اكرم زيداً، ودليل يقول: لا تكرم زيداً، فهل يدخل العام في ضمن المعارضة فيقال: لا تكرم زيداً معارضٌ لدليلين، وهو: اكرامه واكرام العالم، فيتساقط الخاصّان ويكون المطلق مرجعاً سالماً من المعارضة؟.

قام المرتكز العرفي لدى أهل المحاورة، على المرجعية وأن المطلق سليمٌ عن المعارضة، فيتعارض الخاصّان ويسقطان ونرجع إلى قوله: اكرم العالم.

وهذا البناء العرفي لا نكتة له إلا أن العام حيث إنه أقل ظهوراً من الخاصّين، فلأجل ذلك ليس مكافئاً لهما كي يدخل ضمن المعارضة، فإذا تساقط الخاصّان رجعنا إليه، فبما أنه لا نكتة لهذا المرتكز العرفي إلا تفاوت مراتب الظهور، فنطبقها على الروايات أيضاً فنقول: متى وجدت عندنا أدلةٌ ثلاثة وكان أحدها أقل ظهورا كان مرجعاً لا معارضاً، وفي المقام كذلك فإن لدينا طرفين ظاهرين: 1 - أحدهما: صحيحة زرارة «إذا دخل في الثالثة مضى»، ومقتضاها: أنه إن لم يدخل فصلاته باطلةٌ. 2 - وصحيحة زرارة الأخرى حيث قال فيها: «فمن شك في الاوليين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين»، حيث إن ظاهرها أن حفظ الأوليين هو المهم ومن لم يرفع رأسه قد حفظ الأوليين.

وعندنا طرف ثالث أقل ظهوراً وهو قوله في موثقة موسى بن بكر: «إذا شككت في الاوليين فأعد»، فإنه موافق من حيث مدلوله لصحيحة زرارة الأولى، حيث يصدق على من لم يرفع رأسه من السجدة الثانية أنه شاك في الاوليين، فيتساقط الظاهران وتكون هذه الموثقة مرجعاً، والنتيجة: هي البطلان.

وأما إذا قلنا: لعل النكتة في مرجعية العام عند تعارض الخاصّين كونه عامّاً ومطلقاً، حيث إن المطلقات والعمومات تُضرْب لأجل تأسيس قاعدة حتى يرجع إليها عند الشك؛ فلعل عمومه هو الذي جعله مرجعاً، لا أقلية ظهوره كي يستفاد منها نكتة عامة، وهي متى ما تفاوتت مراتب الظهور كان الأقل ظهوراً مرجعاً. فبناءً على ذلك: تدخل الموثقة ضمن التعارض، ونتيجة التعارض بين الأدلة يكون المورد من موارد الشبهة الحكمية في التقييد، إذ لا ندري أنّ الشّك بين الثانية والثالثة بعد الذكر الواجب قبل رفع الرأس من السجود مانع من صحّة الصلاة أم لا؟ فتجري البراءة عن المانعية.

التصور الثاني: أن يقال لا تنافي بين الطائفتين، بأن يقال: إنّ صحيحة زرارة وصحيحة البقباق التي قالت: «إذا شك في الأوليين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين»، فما هو المراد ب «الحفظ»؟ فهل المراد به عدم الشّك في الأولى أو حفظ العدد أو حفظ تمامية ركعتين؟.

فإن كان المراد بحفظ الركعتين: هو أن لا تشك في الأولى، فهو بلحاظ عدّة روايات:

منها: صحيحة ابن مسلم: «عن الرجل يصلي ولا يدري أنه واحداً صلّى أم اثنتين، قال: يستقبل». فإن كان المراد ب «الحفظ» هذا، فمن الواضح أنه يتحقق قبل دخوله في السجدة، لأنّه بمجرد أن يركع حفظ الأولى، بينما كلتا الطائفتين ناظرتان إلى أمرٍ زائد على ذلك.

وان كان المراد ب «الحفظ»: حفظ العدد، بمعنى: ان يتقين انه أتى بركعتين، وإنما يشك في أنه أتى بالثالثة أم لا؟ فإذا كان المراد ب «الحفظ» حفظ العدد، فهذا يتأتّى قبل دخوله في السجدة الثانية؛ حيث أعلم أنني سأدخل في الثانية من بعد ركعتين، إمّا لازلتُ في الركعة الثانية، أو قد مضت ركعتان؟، فالعدد محفوظ على كل حال.

وإن كان المراد ب «الحفظ»: حفظ التمامية، أي: أن يحرز أنه أتم ركعتين، فإذا كان هذا هو المراد بالحفظ، فمن الواضح أن لا تعارض بين الطائفتين؛ لأنّ الطائفة الأولى تدل على الحكم ولا تثُبت الموضوع، فهي غاية ما تقول: عليك بحفظ الاوليين، فإن لم تحفظ الاوليين فأعد. ولكنها لا تتعرض لما هو الموجب لحفظ الاوليين، أي: لحفظ تماميتهما. بينما صحيحة زرارة متعرضة لهذه الجهة، فتقول: إن لم تدخل في الثالثة فصلاتك باطلةٌ، فلذلك تُقدَم صحيحة زرارة لأنها ناظرةٌ للموضوع، بينما الصحاح الأولى ناظرةٌ للحكم فقط، «من لم يحفظ الاويين اعاد»، من دون تعرضها لما هو الموجب لحفظ الأوليين، فلأجل ذلك: لا تنحل المشكلة، وهي: من شكّ بين الثانية والثالثة بعد الذكر قبل رفع الراس، لا تنحل بالطائفة الاولى، لأنها تقول: إن لم تحفظ الأوليين فأعد، أما أنه هل حفظ أم لا، فهذا يحتاج إلى دليل آخر. فإذاً لابد من اللجوء إلى الوجه الثالث في المسالة وهو: أنّ مناط حفظ الأوليين بمعنى حفظ تماميتهما باكمال ركعتين، وذلك: بوضع الجبهة على الأرض في السجدة الثانية وإن لم يقرأ الذِكر الواجب فضلاً عن رفع الراس..

صاحب الوجه الثالث يقول: هنا أموراً ثلاثة:

الأمر الأول: أن ظاهر روايات «من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت» انّ المراد بها: من أدرك ركعة تامة. كما ان ظاهر صحاح هذا الباب وهو: - باب الشك في الركعتين - أن مناط الصحّة أن يحرز ركعتين تامتين؛ لذلك يقع البحث فيما هو المقوم لتمامية الركعة، فترجع المسألتان إلى مسالة واحدة.

فما هو المقوم لتمامية الركعة الذي به نحرز تمامية الركعتين؟.

فنقول: بما أن الركعة متقومة شرعاً بركوعٍ وسجدتين إذاً البحث في تمامية الركعة وعدمه يبتني على البحث في تمامية السجدة الثانية، فما هو المحقق لسجدة ثانية؟.

وفي هذا البحث ندخل في الامر الثالث: نبحث فيه: هل أن السجدة متقومة بوضع السجدة على الارض أم متقومة بقراءة الذكر الواجب أو برفع الرأس؟. فتنقيح هذه المسألة تنقيح للبحثين معاً، فنرجع إلى ما ذكره سيدنا في «ج15 ص84» حيث قال صاحب العروة: «والسجود حقيقته وضع الجبهة على الأرض بقصد التعظيم». وزاد سيدنا حصول الاعتماد حتّى يتحقق سجود، لا ضرب الجبهة على الأرض.

قال سيدنا: «السجود لغةً: يطلق على معانٍ لعل أكثرها استعمالًا: نهاية التذلّل والخضوع، التي أظهرها مصداقاً وضع الجبهة على الأرض، وربما يطلق على وضع ما عدا الجبهة من سائر أعضاء الوجه، لكنّه مختص بفرض العجز عن الجبهة فهو في طول الاستعمال الأوّل»، وقال: «وأمّا ما ورد في جملةٍ من الأخبار من أنّ السجود على سبعة أعظم: الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان، فليس ذلك بياناً لمفهوم السجود شرعاً كي يقتضي الحقيقة الشرعية، ولا شارحاً للمراد من لفظ السجود الوارد في لسان الشارع ولو مجازاً، فإن كُلّاً من الأمرين مخالفٌ لظواهر هذه النصوص بل هي مسّوقة لبيان واجبات السجود والأُمور المعتبرة فيه، فمفادها إيجاب هذه الأُمور في تحقّق السجود الواجب، وإن كان ذلك لا يخلو عن ضرب من المسامحة كما لا يخفى، لا دخلها في المفهوم أو في المراد».

وقال في موسوعة الإمام الخوئي «ج‌15 ص159‌» مسألة 14:» إذا ارتفعت الجبهة قهراً من الأرض قبل الإتيان بالذِّكر «، قال سيدنا:» فإن ارتفعت الجبهة قهراً بمجرد إصابتها الأرض من دون اعتماد ولا استقرار حتّى في الجملة، كما قد يتّفق إذا هوى إلى السجود بسرعة، فهذا لا يعدّ سجوداً لا شرعاً ولا عرفاً، لتقوّمه بالوضع المتقوّم بالاعتماد، وهو منتفٍ في الفرض، إذ هو من قبيل الضرب بالأرض لا الوضع عليها، وأمّا إذا ارتفعت بعد تحقّق الوضع والاعتماد والاستقرار حدوثاً، فتارة يتمكن من ضبط نفسه وحفظ الجبهة عن الوقوع ثانياً، وأُخرى لا يتمكن، بل تعود إلى الأرض قهراً أيضاً.

أمّا في الأوّل: فتحسب عليه سجدة، إذ لا خلل فيه من ناحية السجود بما‌ هو كذلك. فإنَّ السجود المأمور به المعدود من أركان الصلاة متقوّم بمجرّد الوضع الحدوثي وقد تحقّق، ولا يشترط فيه الاستقرار بقاءً؛ نعم، هو واجب آخر معتبر، حاله كالذكر، وقد فات محل التدارك فيشمله «حديث لا تعاد»، إذ لا قصور فيه بعد إن لم يكن ملتفتاً إلى الإخلال حينما أخلّ، لوقوعه قهراً عليه ومن غير اختيار وعمد. وعليه: فإن كان ذلك في السجدة الأُولى جلس وأتى بالأُخرى، وإن كان في الثانية اكتفى بها ومضى في صلاته ولا شي‌ء عليه».

فمقتضى هذا التحقيق: أن السجود متقوم بوضع الجبهة على الأرض وإن لم يكن هناك ذكر؛ فإذاً: متى ما أتى بوضعين أي: بسجدتين وإن يأت بالذكر بعد، وحيث إنهما سجدتين وركوع محقق للركعة، فمتى ما أتى بوضعين بعد ركوعين فقد أتى بركعتين، من دون حاجة إلى الذكر.

ومقتضى ذلك: أن يقال إنّ المحقق لإدراك ركعة تامة - بحيث تشمله قاعدة «من ادرك» - أن يضع جبهته في السجدة الثانية؛ كما أنّ المصحح بين الصلاة في الشك بين الثانية والثالثة يحصل بوضع الجبهة على الأرض. فالمسألتان من باب واحد.

وأما المعارضة بين مفاد هذه الصحاح: «إذا شككت في الاوليين فأعد حتى تحفظ وتكون على يقين»، وبين صحيحة زرارة الأخرى التي قال فيها: «إذا دخل في الثالثة مضى»، فهذا البحث قد تكلمنا فيه. فبالنتيجة: أن موضع قاعدة «من أدرك» إدراك ركعة تامة، وهو يحصل بوصع الرأس في السجدة الثانية. كما هو رأي السيد الأستاذ «دام ظله».

وأما ما ذكره السيد الخوئي: من أنّ المدار على أن يقرأ الذكر الواجب في السجدة الثانية. فهو لا يتلائم مع ما ذكره في «ص84و159 من ج15».

والحمد لله رب العالمين

الدرس 47
الدرس 49