نص الشريط
الدرس 49
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/2/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2566
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (427)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام إلى فروع الخلل في القبلة، وقبل الدخول في فروع الخلل لابد من التعرض إلى تحديد القبلة الواقعية والتنزيلية، حيث إن حكم الفروع يظهر ويتبين من خلال بيان تحديد القبلة.

وفي بحث تحديد القبلة، هناك عدة جهات:

الجهة الاولى: هل أنّ القبلة خصوص الكعبة والفضاء التابع لها عرفاً أم أنّها من تخوم الأرض إلى عنان السماء؟، كما نُسِبَ إلى المشهور القول بذلك.

وقد ذكر الأعلام كالهمداني وسيد المستمسك وسيدنا «قدس سرهم» أنه قد يستدل لمسلك المشهور القائل: ب «أن القبلة من تخوم الأرض إلى عِنان السماء» بوجهين:

الأول: وجه عقلي، وهو أنّه: لو لم تكن القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء لتعذر استقبال القبلة في الصلاة بالنسبة إلى النائي عن مكة إذا كانت المسافة بينه وبين مكّة بُعداً فاحشاً، فإنّ هذا لا يمكنه استقبال بُنية الكعبة أو الفضاء التابع لها عرفاً، فهل يسقط في حقه شرطية الاستقبال؟ حيث إنّ سقوط شرطية الاستقبال في حق النائي مستنكر ومصادم للمرتكز المتشرعي، فلا محالة المراد من الاستقبال: استقبال هذا الخط من تخوم الأرض إلى عِنان السماء.

وقد أشكل سيدنا على هذا الاستدلال باشكالين في «ج11، ص416». فأفاد :

أننا بمقتضى كروية الأرض نفترض أنّ هناك دائرة، وأنّ الكعبة تقع في القطب الجنوبي لهذه الدائرة، فلذلك تنقسم البلدان بلحاظ الكعبة، إلى أقسام أربعة:

القسم الأول: ما ليس بينه وبين الكعبة زاوية قائمة «90 درجة»، وهي المدن الواقعة بين نقطة الجنوب ونقطة الشرق، أو نقطة الجنوب ونقطة الغرب.

وحينئذٍ مثل هذه المدن، لو وقف المصلي فيها ومددنا خطاً وهمياً من مقاديم المصلّي إلى القطب الجنوبي فإنه يتقاطع معه، أي يتصل به بلحاظ أن مقتضى كروية البلدان الواقعة بين القطب الجنوبي النازل وبين أقصى الشرق لها ميلان نحو القطب الجنوبي، فبلحاظ ذلك: لو مددنا خطّاً وهميّاً من مقاديم المصلّي نحو الكعبة أو هذا الخط الذي فيها لاتصل به.

القسم الثاني: المدن الواقعة في رأس الشرق أو الغرب، فإنّ المدنَ الواقعةَ في رأس الشرق تشكل زاويةً قائمةً، فبما أنّها كذلك، إذاً أي خطٍ يمتد من المصلّي نحو الكعبة لا يتصل بخط الكعبة، لأنّ الخطان متوازيان وهما لا يتقاطعان مهما بلغا من الامتداد.

ولأجل ذلك لا يجدينا أن نقول أن القبلة هي من تخوم الأرض إلى عنان السماء، فإنّ الاستقبال في هذا الفرض لا يتحقق على كل حال.

القسم الثالث: ما يقع في القطب الشمالي، فالكعبة في أقصى الجنوب، والمدينة في أقصى الشمال، فبنيهما «180 درجة»، وحينئذٍ: أيُّ خطٍ يمتدُ من المصلّي وهو في القطب الشمالي يوازي الخط من القطب الجنوبي، فلا يتحقق الاستقبال.

القسم الرابع: كما لو وقف المصلي في نقطة مسامتة للقطب الجنوبي من الخلف، وعليه: تتساوى الابعاد بينه وبين الكعبة، فإنّه سواء اتجه شمالاً أو جنوباً أو شرقاً أو غرباً فهناك خطٌ يوصله بالكعبة، ولذلك يعد مستقبلاً ومستدبراً في آنٍ واحد.

وقد يقال في هذه الصورة: بأنَّ شرطية الاستقبال تسقط، لأنّه مستدبرٌ، حيث لا يمكن اجتماع الضدين في محل واحد، فيقال هذا مستقبل للقبلة واقعاً ومستدبرٌ لها واقعاً.

ولكن الصحيح: أنه لا مانع من اجتماع الضدين في محل واحد من جهتين، وبما أنّ ظاهر الأدلة أنه يكفي في صحّة الصلاة صدق الاستقبال كقوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، فإذا صدق الموضوع، وهو: أنّه ولّى وجهه، كفى في صحّة الصلاة.

والمتحصّل: أنّ الغرض الذي من أجله قال المشهور: ب «أن القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء»، وهو أن يستقبل النائي الكعبة، لم يتحقق هذا الغرض في البلدان الواقعة في رأس الشرق أو الغرب أو الشمال.

فإن قلت: إنّ عدم تحقق الغرض لا يلغي أصل المبنى والرأي، فلنقل: «أنّ القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء»، وفي نفس الوقت نقول بكفاية الاستقبال العرفي بلا حاجة للاستقبال الحقيقي، مثلاً: من كان على السطح وكان شخص في صحن الدار هل يستطيع أن يستقبله وهو في موقع نازل بالاستقبال العرفي، بمعنى: أنه لو نزل إليه لرآه إذا ارتفعت الحواجب والموانع، وهذا النحو من الاستقبال العرفي يتحقق: فيمن يكون في أقصى الشرق أو الشمال، بمعنى: أنه لو سار نحو الكعبة ولم تكن هناك موانع لرأى الكعبة، فهذا النحو من الاستقبال كافٍ.

قلت: إذا كان الاستقبال العرفي كافياً، فما هو الوجه في أن نرتكب مؤنة زائدة وأن نقول «أن القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء» إذ لا موجب له إذا كنّا سنكتفي بالاستقبال العرفي؟. هذا هو الاشكال الأول الذي اورده سيدنا على هذا المبنى وهو متين.

الاشكال الثاني: قال في «ص415»: «فلبعده في حدِّ نفسه، لاستلزامه تبدل القبلة آناً فآناً، وعدم كونها ذات ثبات وقرار، وهذا بناءً على حركة الأرض حول الشمس، وضعية أو انتقالية، كما هو المعروف؛ والصحيح ظاهر، لوضوح أنّ الفضاء الممتد إلى السماء مما فوق الكعبة يتحول من مقرّه تدريجاً ويتحرّك بحركة الأرض فلا يكون شيئاً معيناً ونقطة ثابتة.

وبالجملة: لازم هذا القول: عدم استقرار القبلة على كل من المسلكين، وأنها تتبدل في كل آنٍ، وهذا لو لم يكن مقطوع العدم فلا ريب في كونه خلاف‌ المتراءى من ظاهر الأدلة، حيث إن المستفاد منها: أنَّ القبلة مهما كانت فهي شي‌ءٌ معيّنٌ مشخّصٌ ثابتٌ مستقِرٌ، كما لا يخفى».

ولكنَّ هذا الاشكال غيرُ واضحٍ، فإنه يَردُ على مبنى سيّدنا من «أنّ القبلة هي بُنية الكعبة والفضاء التابعة لها».

أما جواب الاشكال: أنَّ المعتبر في القبلة الثبات، بلحاظ مركزها لا بلحاظ النقطة المسامتة لها في السماء، ولكنها بلحاظ مركزها فإنّها ثابتةٌ كثبات المصلّي وهذا كاف.

الدليل الثاني لمسلك المشهور: الروايات التي استُدل بها، وهي ثلاثةٌ:

الأولى: صحيحة خالد بن أبي إسماعيل، قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه : الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة، فقال: لا بأس».

فاستُدل على «أن القبلة إلى عنان السماء» بهذه الرواية، ومن الواضح أنه لا دلالة فيها على ذلك، باعتبار أنّ من يصعد على جبل أبي قُبيس ومددنا خطّاً من جبهته نحو الكعبة لتقاطع مع الكعبة.

الثانية: ما رواه الشيخ بإسناده عن الطاطري، عن محمد بن أبي حمزة، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه قال: «سأله رجل قال: صلّيت فوق أبى قبيس العصر، فهل يجزئ ذلك والكعبة تحتي؟ قال: نعم، إنها قبلة من موضعها إلى السماء».

وهذه الرواية تامّة الدلالة لولا ضعف سندها، «وهذه وإن كانت ظاهرة الدلالة على المطلوب، لكنها ضعيفة السند، لأن في طريق الشيخ إلى الطاطري علي بن محمد بن الزبير القرشي، ولم يوثّق، وتعبير صاحب الحدائق عنها ب «الموثقة» في غير محله، وكأنّه اقتصر في ملاحظة السند على الرجال المذكورين فيه الذين كلهم ثقات، ولم يمعن النظر في طريق الشيخ إلى الطاطري المشتمل على الضعيف كما عرفت».

الثالثة: مرسلة الصدوق، قال: «قال الصادق : أساس البيت من الأرض السابعة السُفلى إلى الأرض السابعة العليا»، وهي في الدلالة كسابقتها، ولكنها ضعيفة السند، بناءً على عدم اعتبار الجزم في مراسيل الصدوق.

ثم يقول سيدنا: «وبالجملة: فما عليه المشهور من اتساع القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، لا يمكن المساعدة عليه بوجه، بل الظاهر اختصاصها بفضاء البيت وما يتبعه عرفاً حسبما عرفت، بل هذا هو الحال في جميع الأوقاف والأملاك من المساجد وغيرها، فلا يتعدى الوقف والملك من ناحية السفل والعلو إلاّ بالمقدار الذي يعد من توابعه ولواحقه عرفاً دون الزائد على ذلك».

والحمد لله رب العالمين

الدرس 48
الدرس 50