نص الشريط
الدرس 50
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/2/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2556
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (411)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم الكلام في الجهة الاولى من بحث القبلة: أنّ المشهور ذهب إلى أنّ القبلة هي: «عين لكعبة ولكن حدودها من تخوم الأرض إلى عنان السماء». وذكرنا مناقشة سيّدنا لهذا الرأي.

ولكن ظاهر كلام السيد الإمام «ص83» من كتاب الخلل: تبني قول المشهور، من أنّ القبلة هي: «الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء»، وأنّ الاستقبال المطلوب هو الاستقبال الحقيقي العقلي، وليس الاستقبال العرفي. ومحصّل كلامه «قده»: أنّ القبلة هي جهة الكعبة لا نفسها.

والسر في ذلك: أنّه لا يمكن استقبال عين الكعبة للنائي، بلحاظ أن مقتضى كروية الأرض إنّ من كان في جهة أخرى معاكسة لجهة مكة فانه لا يستطيع أن يتوجه إلى عين الكعبة، فلا محالة لابّد وأن تكون القبلة هي «الجهة» وليست عين الكعبة.

ولكن الصحيح - يرد على هذا القول - أنّ: «الكعبة» بوجودها الواقعي، وهو كونها «من تخوم الأرض إلى عنان السماء»، بل فُرضت الملازمة بين مطولبية الاستقبال الحقيقي، وبين كون القبلة هي «الكعبة» بوجودها الواقعي. وبيان هذه الملازمة بأمور أربعة:

الأمر الأول: قال: إنّ مقتضى القاعدة في موضوعات الأحكام الشرعية: أن يكون الموضوع هو المعنى العرفي؛ مثلاً: موضوع الاعتصام هو «الكر»، موضوعه ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار بالحدّ العرفي لا الدّقي، أو: موضوع بطلان الصلاة: بالتقدم على قبل المعصوم، كون الصلاة هتكاً لحرمة المعصوم، فمقتضى القاعدة: أنّ موضوع كل حكم هو المعنى العرفي إلاّ أن تقوم قرينة على خلاف ذلك. فمقتضى القرينة: ان يكون الموضوع هو المعنى العقلي. وفي المقام: لو لم تقم قرينة لقنا بأنّ موضوع صحّة الصلاة الاستقبال بالحدِّ العرفي، بأن يصدق عليه أنه مستقبل للقبلة؛ كما لو علم وهو في أقصى الشمال والقبلة في أقصى الجنوب أن القبلة في الجنوب فاستقبل الجنوب، فإنّه استقبال عرفي للقبلة ولكن قامت القرينة على أن الاستقبال بالحدِّ العقلي، والسبب في ذلك:

يقول: «فإن استقبال الشي‌ء بنظر العرف: هو جعل الشي‌ء في قباله، وهذا لا يصدق مع حائل في البين مثل جدار ونحوه فمن كان في بيت من البلد لا يكون عرفا في قبال شخص آخر في بيت آخر، فلا محالة لا يُراد هذا المعنى في مثل قوله تعالى: ﴿وحَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، أي: الشطرية ملحوظة على نحو الطريقية عرفا بمعنى ان المطلوب استقبال نفس البيت».

فإذاً مقتضى هذه القرينة: أنّ المراد بالاستقبال: أن يكون المصلّي قبال عين الكعبة، ولو كان في أقصى الأرض.

ولكنَّ ما أفاده وإن كان واضحاً إلاّ أنّ الصياغة الصناعية محلُّ تأملٍ؛ لأنّه بهذه القرينة يستكشف المعنى العرفي للاستقبال لا الدقي، أي: أنّ السيّد «قده» تمسك بظهور اللفظ، وهو: أنّ الاستقبال بمعنى جعل الشيء في قباله ولا يصدق التقابل مع وجود حائل عرفاً. فالنتيجة: أنّ المعنى العرفي للاستقبال هو: أن يكون المصلي مقابلاً للكعبة. فهذا توصل للمعنى العرفي للاستقبال لا أنّ المعنى العرفي رفعنا اليد عنه بقرينة.

الامر الثاني: يقول: «بل المراد هو التسامت الحقيقي بين المصلي والكعبة بأن تكون الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه وأصله إليها أو شاملة لها ولو من وراء الأرض وإن لم يطّلع المصلّي عليه وعلى سره. ثم إنّ سر كون الشي‌ء البعيد ولو كان كبيراً عظيماً كالجبل بجميعه في قبال الناظر مع كونه صغيراً جداً بالنسبة إليه، هو: أن العينين واقعتان في سطح محدب، والعدسي الواسط للرؤية أيضاً واقع على سطح محدب قريب بالكروي، ونفس العدسة أيضاً له تحديب، ولهذا يخرج الشعاع الواسط للرؤية على شكل مخروطي، رأسه عند الناظر وقاعدته منطبعة على الشي‌ء المنظور إليه، وكلما امتد النظر صارت القاعدة أكثر سعةً». فلأجل ذلك: يحيط الرائي بالمنظور وإن كان كبيراً، فهذه مسامتةٌ من حيث النظر.

أمّا المسامتة من حيث البدن، فقال: «إنّ مقاديم بدن الإنسان خُلِقت على نحو فيها تحديب من الجبهة إلى القدم، ولهذا كانت الخطوط الخارجة عن أجزاء المقاديم غير متوازية، كأشعة خارجة عن عين الشمس، فلو كان البدن نورانياً كالشمس كان النور الخارج منه قريبا مما خرج منها، ويزداد بسط نوره واتساعه كلما ازداد الامتداد، ولهذا يختلف التقابل بينه وبين الأجسام حقيقة ودقة باختلاف البعد والقرب لا لخطأ الباصرة كما قيل، لأنّ الخطوط الخارجة من مقدم صدر الإنسان لا تكون متوازية، بل تكون كخطوط المثلث كلما ازدادت امتدادا ازدادت اتساعا، فإذا امتدت إلى فرسخين تنطبق على جبل عظيم وكان ذلك مقابلا للصدر حقيقة ألا ترى أن الجسم الكروي الصغير يحاذي حقيقة سطحه المحيط به على صغره مع الدوائر العظيمة جداً كدائرة معدل النهار، بل الدائرة المفروضة فوقها إلى ما شاء اللّه تعالى».

الأمر الثالث: في عدم معقولية الاستقبال الحقيقي لعين «الكعبة» بوجودها الحسّي مطلقاً، وبيان ذلك:

قال: «إذا عرفت ذلك، نقول: إذا كانت الكعبة المعظمة بعيدة عن المصلّي بمقدار ربع كرة الأرض أو أقل، فلا محالة تصل الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه إلى الكعبة أو تحيط بمكة بل بشبه الجزايرة العربية، فإنّ الخطوط التي تخرج من الجبهة والصدر وسائر المقاديم لا تكون متوازية، كما مر، فلما كان التحديب في كل من عرض مقاديم البدن وطولها كما هو المشاهد تكون الخطوط الطولية الخارجة منها غير متوازية أيضاً وكلما ازدادت بُعداً من الأجسام ازدادت اتساعا وإحاطةً، فتكون جملة منها نافذة فرضا في الأرض الحاجبة بينه وبين الجسم الآخر وهو الكعبة في المقام، وتصل إلى نفس الكعبة وتحتها وفوقها إلى ما شاء اللّه؛ وقد عرفت أنّ هذا هو التقابل الحقيقي العقلي الذي عرفه الشارع الأعظم وإن غفل عنه المصلي.

وأمّا بالنسبة إلى من كان بعيداً أزيد مما ذكر: فلنفرض كون المصلّي بعيداً عن مكة بمائة وثمانين درجة وكان واقفاً على موقف لو فرض خط مستقيم من أم رأسه‌ وامتد إلى الطرف الآخر من الأرض يصل إلى البيت الحرام».

الأمر الرابع: من كلامه في الفرض الأخير، قال: «ففي مثله لا بد في تصوير مقابلته للبيت المعظّم من ذكر أمرين:

1 - «أحدهما»: إنّ الكعبة بحسب النّص والفتوى والاعتبار القطعي: «تمتد من موضعها إلى السماء وإلى تخوم الأرض»، وقد نقل عدم الخلاف في ذلك وفي رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه قال: سأله رجل قال صلّيتُ فوق جبل أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال: نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء».

وعن الفقيه: قال الصادق : «أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا، بل الاعتبار الجزمى يوافق ذلك بعد عموم وجوب الاستقبال لكافة الناس أينما كانوا، بل هو لازم قوله تعالى: ﴿وحَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، المراد منه: شطر الكعبة كما مرَّ». فمقتضى ذلك: توسيع الكعبة، وأن يكون الوجود الحقيقي من تخوم الأرض إلى عنان السماء.

ثم قال: 2 - «ثانيهما: أنّ كلُّ بناء بني على سطح الأرض إذا كانت جدرانه مستقيمة، لا محالة يكون كل جدار منه محاذياً لمركز الأرض وإلا خرج عن الاستقامة، ولازم ذلك: عدم الموازاة الحقيقية بين الجدارين المتقابلين وكلما امتدا ارتفاعا كانت الفرجة بينهما أكثر، فإذا فُرض امتدادهما إلى السماء يكون الاتساع بينهما أكثر من اتساع شرق الأرض وغربها بما لا يقدر، ولما كان المتفاهم من‌ قوله : «ان الكعبة قبلة من موضعها إلى السماء». إنّ كلاًّ من جدرانها كأنّه ممتد مستقيماً إلى عنان السماء لا معوجاً يكون الشعاع الفرضي الخارج من تخوم الأرض إلى الكعبة والى عنان السماء كمخروط رأسه مركز الأرض وقاعدته عنان السماء ويمتد إلى ما شاء اللّه، فلا محالة تكون الخطوط الخارجة عن مقاديم المصلّي طولا مسامتة لنصف البناء والجدران المحيطة به والمسامت لا محالة يصل إلى مسامته إذا امتد فالخطوط الخارجة عن مقاديم البدن طولا يصل كثير منها إلى الكعبة الممتدة إلى عنان السماء فيكون استقبال المصلّي لها حقيقيا وإن غفل عنه العامة. بل الظاهر وقوع الاستقبال والاستدبار للكعبة المكرمة في جميع بقاع الأرض أينما كان المصلّي فمن صلّى إلى قِبال البيت كان مستقبلاً له ومستدبراً أيضاً بعد التأمل فيما مر، ولعل هذا سر قوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ. حيث طبّق في الأخبار الوادرة على القبلة، كقوله : في مكاتبة محمد بن الحصين إلى العبد صالح فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت أو لم يعلم أنّ اللّه تعالى يقول وقوله الحق: ﴿فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ».

والحمد لله رب العالمين

الدرس 49
الدرس 51