نص الشريط
الدرس 53
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 15/2/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2560
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (429)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم أنّ البحث، تارة: في كفاية المحاذاة العرفية وعدمها. وتارة: فيما هو المحقق للمحاذاة العرفية. وذكرنا أنّه بالنسبة إلى الجهة الاولى: الصحيح ما ذكره المحقق الاردبيلي من القرائن التي أقامها، فإنّ هذه القرائن التي أقامها وإن لم تثبت ما هي القبلة، وأنّ القبلة هل هي عين الكعبة؟ أم هي من تخوم الارض إلى عنان السماء؟ أم إنّها جهة الكعبة؟.

ولكن بعد المفروغية عن الادلة التي ذكرناها في الجهة الثانية، وهي: إنّ القبلة عين الكعبة؛ يكون ما طرحه المحقق الاردبيلي من القرائن وافياً في إثبات كفاية المحاذاة العرفية. فيقع الكلام فعلاً في الأمر الثاني: ما هو المحقق للمحاذاة العرفية؟.

ففي تحقيق المحاذاة العرفية توجد ثلاثة اتجاهات:

الإتجاه الأول: هو الاتجاه إلى الخط الفاصل بين المشرق والمغرب الاعتداليين، وبيان هذا الاتجاه بذكر أمور:

الأمر الأول: تعرّض له السيّد الإمام في كتاب الخلل «ص55»: «لصحيحة زرارة، عن أبي جعفر قال: لا صلاة إلاّ إلى القبلة، قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه، قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: يعيد».

والكلام في المشرق والمغرب، فهل المراد هو الجهة؟ أم إنّ المراد نفس الشروق والغروب؟ أم إنّ المراد بهما نقطة ما بين اليمين واليسار للمصلي؟.

فيقال: لو كان المراد بهما الجهة، أي: إنّ القبلة هي الخط الموهوم بين جهة المشرق وجهة المغرب، فلازم ذلك إنّ من توجه إلى هذا الخط فقد استقبل، مع إنّه قد تكون القبلة عن يمينه أو عن يساره، فمطلق الخط بين جهة المشرق والمغرب لا يحتمل أن يكون هو القبلة.

وإن ادُّعي أن المراد بالمشرق والمغرب نفس الشروق والغروب الذي يختلف باختلاف البلدان والفصول، فلو كان هذا هو المراد للزم اختلاف القبلة باختلاف البلدان؛ ففي خط الاستواء: يكون النهار معتدلاً، فيمكن تصوير خط بين الشروق والغروب.

وأمّا في البلدان التي يكون النهار فيها قصيراً أو طويلاً جداً، أو البلد الذي يختلف نهاره باختلاف الفصول، فإنّ لازم إيكال القبلة إلى خط وهمي بين الشروق والغروب هو اختلاف القبلة بالنسبة إلى المكلف وهو باطلٌ جزماً.

إذاً فالمراد بالمشرق والمغرب: إنّ المصلّي لو توجه إلى جهة مكّة فما بين شماله ويمينه قبله.

وقد يقال: إنّ المنظور في هذه الرواية: لأفق المدينة، حيث إنّ مكّة بالنسبة إلى المدينة واقعة في الجنوب، فالمصلّي إذا توجه إلى مكة وهو في المدينة كان يساره مشرقا ويمينه مغرباً، فلذلك ورد ما بين المشرق والمغرب قبلة، أي: بلحاظ أفق المدينة؛ ولكنّ احتمال خصوصية المدينة مقطوع بعدمه خصوصاً إنّ ظاهر الرواية وقوع الجواب على نحو القضية الحقيقية.

الأمر الثاني: بعد المفروغية عن إنّ المراد ما بين المشرق والمغرب ما بين نقطة اليسار واليمين بالنسبة إلى المصلّي، إنّما ما كان موقعها، فما هو المقصود بما بينهما؟، فهل المقصود نصف الدائرة؟ إذ المفروض إنّ المصلّي بالنسبة إلى الكعبة واقع في محيط دائرة، فإذا قمنا برسم دائرة يشمل المصلّي والكعبة بحيث يقع المصلّي في محيط ومركز الدائرة وتكون القبلة أمامه فهل يراد ما بينهما تمام نصف الدائرة بحيث تكون سعة القبلة ما لم يصل «180» درجة فمقدار سعة القبلة «179» درجة؟ أم إنّ المقصود ثلث الدائرة أو ربعها واشباهه مما لا دليل على تعينه؟...

كما إنّه قد يقال في المقام وذكره سيدنا في «ج11، ص427»: «وعن بعضهم أنّها القدر الذي يجوز على كل جزء منه كون الكعبة فيه، ويقطع بعدم خروجها عنه. وعن آخرين أنّها السمت الذي يظن كون الكعبة فيه».

ولكنّه واضح البطلان؛ لأنّ البحث ثبوتي، ولا ربط له بالظن والعلم. فالبحث: ما هو المحقق للمحاذاة العرفية واقعاً مع غض النظر عن علم المكلف وجهله، فلا معنى أن يناط المحقق للمحاذاة العرفية لظن المكلف وإن لم يكن في الواقع محاذياً؟.

إذاً: لابّد من المصير إلى طرح وجه صناعي لتحديد المقدار ما بين المشرق والمغرب.

الأمر الثالث: قال سيّدنا: «وعن الفاضل المقداد: أن جهة الكعبة التي هي القبلة للنائي خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين ويمرّ بسطح الكعبة، فالمصلّي حينئذٍ يفرض من نظره خطاً يخرج إلى ذلك الخط فإن وقع على زاوية قائمة‌ فذلك هو الاستقبال، وإن كان على حادة أو منفرجة فهو إلى ما بين المشرق والمغرب».

توضيح كلامه: أنّا إذا لاحظنا نقطتي المشرق والمغرب الاعتداليين، أي: في الوقت الذي يعتدل فيه الليل والنهار ويتساويان، وفرضنا خطّاً مستقيماً متّصلاً بينهما على نحو يمرّ بسطح الكعبة، فهذا الخطّ هي جهة الكعبة، وحينئذٍ فالمصلّي النائي لو اتجه نحو هذا الخطّ فإن كان اتجاهه بحيث لو فُرض خروج خط مستقيم من نظره متصل إلى ذاك الخط يتشكل منهما زاويتان قائمتان، أي: يكون كل منهما بمقدار تسعين درجة فذاك استقبال للجهة؛ وإن كان الخط المزبور متمايلًا نحو الشرق أو الغرب بحيث يحصل من تقاطعه مع الخط الأول زاوية حادة وأُخرى منفرجة فذاك من التوجه إلى ما بين المشرق والمغرب، الذي يحكم فيه أيضاً بصحة الصلاة عند العجز عن استقبال الكعبة وجهتها. ولا يخفى أنّ هذا الذي أفاده «قده» في تفسير الجهة أمر معقول في حدِّ نفسه ولا غرابة فيه.

وقال سيّدنا: «ولتوضيح ذلك: خُذ كُرةً وضعْ يديك على جانبيها من اليمين واليسار، وافرض هاتين النقطتين ثابتتين وأوصل بينهما بخط هو خط الاستواء، ثم حرّك الكرة نحو الجنوب يسيراً، فلا محالة يتنازل القطب الجنوبي ويتصاعد القطب الشمالي، ثم لاحظ نقطتي المشرق والمغرب الاعتداليين اللذين هما في القطب الشمالي وأوصل بينهما بخيط ونحوه، ثم حرّك الكرة شيئاً فشيئاً إلى أن تنتهي إلى مكّة فأوقفها وضع الخيط عليها، فهذا هو الخط الاعتدالي المار على سطح الكعبة، فإذا وقف المصلّي نحو هذا الخط بحيث تتشكل زوايا قوائم فهو مستقبل لجهة الكعبة كما مر».

ونتيجة هذا الكلام: إنّ ما يزيد على زاوية قائمة فهو خارج عن القبلة.

وقد أشكل سيّدنا عليه «ص430»: «نعم يتوجه عليه:

أولاً: أن تفسير الجهة بما ذكره لا دليل عليه، فالاجتزاء في تحقق الاستقبال بالاتجاه نحو أي نقطة من نقاط الخط الاعتدالي على نحو تتشكل منه زاوية قائمةلم يثبت بدليل شرعي، وهي دعوى بلا برهان، وعلى مدعيها الإثبات.

وثانياً: أن الاتجاه نحو الخط الاعتدالي بنحو الزاوية القائمة قد يستوجب الانحراف عن الكعبة بدرجات كثيرة، بحيث لو كانت الزاوية حادّة أو منفرجة كان الاتجاه إلى الكعبة أقرب مما لو كانت قائمة، ولا سيّما في البلدان الواقعة في شرقي مكّة أو غربها كجدة ونحوها التي تكون قبلتها نقطة المشرق أو المغرب تحقيقاً، فلا يطّرد الضابط المزبور على سبيل الإطلاق كما لا يخفى».

والحمد لله رب العالمين

الدرس 52
الدرس 54