نص الشريط
الدرس 58
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2661
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (346)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

والمتحصل مما مضى أمور:

الأمر الأول: أنّ سيدنا ذكر: أنّ دليل حجية الأمارات الظنّية كالمحاريب، والقبور، والسيرة، وهي دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو فرض عدم إمكان تحصيل العلم، فمع إمكان تحصيل العلم بالقبلة لا يحرز حجية هذه الأمارات الظنية وهو نفسه عندما وصل الى حجية البيّنة وخبر الثقة الناشئين عن حس؛ قال: بأن دليل حجية البينة والثقة عام، يشمل حتّى فرض إمكان تحصيل العلم.

هذا مع أنه ذكر في الأصول: أنّ دليل حجية البيّنة وخبر الثقة لبّي، وهو السيرة، فمقتضى الصناعة: الاقتصار على القدر المتيقن، وهو فرض عدم إمكان تحصيل العلم.

فهناك أدعي: أنّ سيرة العقلاء قائمة على العمل بخبر الثقة حتّى مع إمكان تحصيل العلم، ادعي هذا الأمر هنا وهو: أنّ سيرة المتشرعة القائمة على العمل بالمحاريب والقبور أمارة على تعيين القبلة، جارية حتّى مع إمكان تحصيل العلم، فلا فرق بين هذين الأمرين من هذه الجهة.

الأمر الثاني: أفاد «قده»: أنّ العلم الاجمالي بوجود القبلة في إحدى الجهات الأربع لا يقتضي الصلاة إلى أربعة جهات، وإنّما نقول: أن القبلة عين الكعبة من دون توسعة؛ فمقتضى منجزية العلم الاجمالي: الصلاة إلى سبع جهات، وأمّا أن نقول بالتوسعة - أي ما بين اليمين واليسار قبلة -؛ فمقتضى ذلك: الصلاة إلى ثلاثة جهات.

ولكن قد يقال: لو التزمنا بالتوسعة بمقتضى ما دلّ على أن «ما بين المشرق والمغرب قبلة كله»، ولكن قلنا بالتوسعة بحدود ما يصدق عليه استقبال البيت عرفاً، بمقتضى عموم الآية: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، فكون ما بين اليمين واليسار قبلة، لا يخرج عن حدّ صدق الاستقبال العرفي، فمقتضى ذلك: أن يكون الانحراف المغتفر بمقدار أثنين وعشرين درجة يمينا أو شمالاً، أي: أنّ الفارق الذي لا يغتفر ما زاد عليه مقدار «45 درجة»، فبناءً على ذلك: لا يكفي الصلاة إلى ثلاثة جهات في احراز اصابة القبلة، فإننا وإن توسعنا إلى ما بين اليمين واليسار إلّا انه توسع بمقدار ما يصدق عليه الاستقبال عرفا وهو ما لا يزيد عن «45 درجة»، فلابد من الصلاة إلى أربعة جهات لتحقيق اصابة عين الكعبة.

الأمر الثالث: إذا تمت صحيحة زرارة يجزي التحري أبداً إذا لم يعلم اين وجه القبلة ولم نحصر الشرط في فرض عدم إمكان تحصيل العلم، بل قلنا أنّ المراد من الشرط: عدم تحصيل العلم لا عدم امكانه، فمقتضى ذلك: أن قول الخبير حجة في تحديد القبلة وإن استند إلى الحدس، لأنّ قول الخبير بتعيين القبلة يندرج حينئذٍ تحت عنوان التحري؛ فلأجل ذلك: تكون البوصلة المفيدة للوثوق النوعي حجة حتّى مع إمكان تحصيل العلم لأنّه مصداق للتحري.

الأمر الرابع: إذا لم يمكن تحصيل العلم ولا الظن - أي التحري - فقد استند سيدنا إلى صحيح زرارة ومحمد بن مسلم بحسب رواية الصدوق في الفقيه: «يجزي المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة»، وقلنا: أن وحدة المتن والراوي المباشر بينها وبين نقل الكليني لصحيح زرارة يجزي التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة عدم احراز ما صدر عن الامام هل هو التحري أم المتحير ما لم نرجح نقل الكليني لأضبطيته.

فمنظورنا في هذه المقابلة: بين رواية الكليني يجزي التحري ونقل الصدوق يجزي المتحير، لا بين نسخ الفقيه أنفسها كي يقال أنّ النسخة الرائجة والمعروفة للفقيه هي المتحير أو أنّ اشتمال الصحيح على عبارة أينما توجه مرجح إلى نقل المتحير بدل التحري، فإن هذا لو كانت المقارنة بين نسخ الفقيه، أما نحن عقدنا المقارنة بين نقل الكليني ونقل الصدوق يجزي المتحير أبداً.

الأمر الخامس: على فرض تمامية صحيحة زرارة بحسب نقل الصدوق يجزي المتحير. فقد يقال بعدم حجيتها في نفسها، بلحاظ فتوى المشهور على خلافها، فإنّ فتوى المشهور أنّه لم يمكن تحصيل العلم ولا الظن بالقبلة فالوظيفة هي الصلاة إلى أربع جهات. وقلنا سابقاً: بأنّ حجية الصدور أو الظهور بحسب المرتكز العقلائي لا تمتد لفرض وجود منشأ عقلائي على الخلاف وفتوى المشهور منشأ عقلائي على الخلاف.

الأمر السادس: على فرض تمامية الاستدلال بصحيحة زرارة، وهي: «يجزي المتحير أبداً أينما توجه»، فإنّ تأكيد مفادها بصحيحة ابن عمار: «أنّه سأل الصادق عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا، فقال له: قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير ﴿ولِلّٰهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ. وذكر سيدنا أنّ جملة من المحققين طعنوا على الاستدلال بها؛ باحتمال كون الذيل من كلام الصدوق نفسه. ولكنّه كما ترى في غاية البعد، فإنّ إدراج الاجتهاد وإلحاقه بالحديث من غير نصب قرينة أو ذكر فاصل بمثل انتهى. أو أقول نوع خيانة في النقل، «تجلّ ساحة الصدوق المقدسة عما دونها بكثير».

ولكننا اقمنا شواهد على تصرف الصدوق، ولا ينافي ذلك جلالته، لأنّ الفقيه كتاب فتوى، فلا ضير في أن يضم رأيه، فما دافع سيّدنا عن الاستدلال بهذه الرواية غير تام.

فالمتحصل: أننا إن رجحنا نقل الكليني يجزي التحري، فلابد من الفحص، فإن لم يصل إلى شيء فمقتضى منجزية العلم الاجمالي تكرار الصلاة إلى الجهات.

وان لم نرجح: فحيث لا دليل على حجية هذا الظن فتصل النوبة إلى مقتضى منجزية العلم الاجمالي وهو تكرار الصلاة في مورد لا توجد فيه أمارة على القبلة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 57
الدرس 59