نص الشريط
الدرس 112
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/6/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2658
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (401)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم في التعليقة الخامسة: ما أفاده الشيخ الأستاذ: من أنّ مقتضى الصناعة تقسيم النصوص إلى ثلاث طوائف، وجعل الطائفة الأولى مرجعا لا ان المعارضة ثلاثية، وذكرنا ان مقابل ما أفاده قد يذكر اتجاهان وسبق الكلام في عرض الاتجاه الأول.

الاتجاه الثاني: ان يقال: على فرض ان الطائفة الثالثة وهي: معتبرة سماعة، دالة على ان الصلاة عارياً عند انحصار الساتر بالمتنجس وعدم امكان تطهيره وتبديله انما هو وظيفة غير المضطر إلى لبسه أي هذه الطائفة خاصة بفرض عدم الاضطرار إلى لبس الثوب وحينئذٍ تصلح ان تكون مقيدا للطائفتين السابقتين الاولى والثانية الدالتين على ان الوظيفة في فرض انحصار الساتر في المتنجس وعدم امكان تطهيره وتبديله هو الصلاة في الثوب المتنجس فيجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد ومقتضى ذلك اختصاص الطائفتين الاوليين بفرض الاضطرار فلا معارضة اصلا بين هذه الطوائف.

ولكن يلاحظ على ذلك:

اما تقييد الطائفة الثانية بفرض الاضطرار فهو اخراج لموردها عنها لأننا ذكرنا في الدرس السابق ان مفروض الطائفة الثانية هو عدم الاضطرار فإذا كان مفروض السؤال فيها عدم الاضطرار فكيف يمكن حملها على فرض الاضطرار من باب الجمع بين المطلق والمقيد فهذا اخراج للمورد عن تحت الوارد وهو مستهجن.

واما تقييد الطائفة الأولى التي هي في حد ذاتها مطلقة لفرض الاضطرار وعدمه بأن تحمل على خصوص فرض الاضطرار، فيقال: ان هذا حمل على الفرد النادر لان الاضطرار إلى الثوب المتنجس بما هو متنجس هذا فرض نادر فحمل هذه النصوص الواردة على سبيل القضية الحقيقية على هذا الفرض النادر مستهجن.

فإن قلت: المفروض في رواية الحلبي هو التقييد بفرض الاضطرار حيث قال فيها يصلي فيه إذا اضطر اليه فقيد الصلاة في المتنجس بفرض الاضطرار.

قلت: مضافا إلى ضعف سندها انه لا يمنع عرفا التقييد بفرض الاضطرار وانما المستهجن هو ان نحمل المطلق على فرض الاضطرار مع اطلاقه في عدة روايات فعندنا ثلاث روايات مطلقة، فإن يقال أنها كلها تحمل على فرض الاضطرار هو مستهجن اما تقييد الحكم في لسان الدليل بفرض الاضطرار فإنّه لا مانع منه عقلاً وعرفا ولو تمت هذه الرواية سندا لكانت صالحة للقرينية على ذلك.

فتلخص: ان الصحيح صناعيا ما قام به سيدنا من جعل هذه الطوائف ثلاث.

التعليقة السادسة: ما ذكره السيد الإمام: قال في «كتاب الخلل، ص177» «ثم ان المانع عن القول بالتخيير أمران:

أحدهما: احتمال ان لا يكون الجمع بما ذكرنا عرفيا ويشبه ان يكون صناعيا، ويرى العرف التعارض بين الطائفتين سيما بين صحيحة على ابن جعفر وصحيحة الحلبي الامرة بالطرح.

وثانيهما: إعراض أصحابنا القدماء عن الطائفة الدالة على الصلاة في الثوب النجس مع اشتمالها على الصحاح، فلا تصلح للحجية، والقول بالتخيير انما حدث بين المتأخرين من عصر المحقق إلى ما بعده حتى ان الحلي الذي لا يعمل بالخبر الواحد الا ما كان قطعيا ترك العمل بتلك الطائفة وافتى بمضمون الطائفة الأخرى على ما حكى عنه، وكيف كان الشهرة بين القدماء ثابتة، بل في الخلاف دعوى الإجماع عليه، فالقول بتعين الصلاة عاريا هو الأقوى الموافق للقواعد كما مر».

قد يلاحظ: انه لم يحرز اعراض المشهور عن العمل بالروايات الدالة على الصلاة في الثوب المتنجس لعلة فيها بل لعل المنشأ لعدم عمل المشهور كون الطائفة الثانية وهي الصلاة عريانا راجحة لمخالفتها للعامة، حيث ان المالكية والحنفية والحنابلة قالوا بأن الوظيفة عند انحصار الساتر بالمتنجس هي الصلاة بالمتنجس، فلأجل ذلك رجحوا الطائفة الثانية لا لعلة في الطائفة الأولى أي خلل صدوري أو متني حتّى يقال احرز اعراض المشهور فكان موجبا لسقوطها عن الحجية في نفسها.

وقد يقال: بأن الطائفة الاولى التي دلت على الصلاة في المتنجس هي الراجحة لكثرتها لأنّها خمس روايات وصحيحة سندا في مقابل ثلاث روايات في الطائفة الثانية والثانية منها نحتمل انهما رواية واحدة وهما موثقتا سماعة ورواية الحلبي في طريقها محمد بن عبد الحميد، فإذا مقتضى ذلك ان تكون الطائفة الاولى هي الراجحة باعتبار ان وجود خمس روايات في الفقيه والتهذيب والاستبصار مع صحتها سندا يوجب دخولها تحت نكتة الترجيح بالشهرة الروائية.

ولكن السيد الإمام في مقابل القول بتعارض الطائفتين واستحكامه لعدم مرجح لأحدهما على الآخر، قال: يمكن القول بالتخيير، والقول بالتخيير له عدة تقريبات:

التقريب الاول: ما ذكره «مصباح الفقيه»، وتبعه سيدنا وتبعه شيخنا الأستاذ من ان كلا من الطائفتين صريحة من جهة وظاهرة من جهة فمقتضى قرينية صراحة كل منهما على ظهور الأخرى الجمع العرفي بينهما بالحمل على التخيير، وهذا سبق التعرض له ومناقشته.

التقريب الثاني: ما ذكره السيد الإمام من ان هاتين الطائفتين في مقام دفع توهم الالزام لا في مقام الأمر فالطائفة الأولى حيث سئل السائل عن ان الساتر للعورة متنجس ولا يمكن تطهيره ولا تبديله فهو في مقام السؤال عن انه هل انا ملزم بعدم الصلاة في المتنجس ولو انحصر الساتر فيه فهو في مقام توهم الالزام بعدم صحّة الصلاة فيه، فقال له الإمام صل فيه فلا يستفاد من صل فيه الا انك غير ملزم بخلعه وان كان متنجساً فالجواب في مقام توهم الالزام لخلعه ونزعه فحيث ان سياق السؤال في الطائفة الاولى منصب على انه هل ان المكلف ملزم بخلع الساتر المتنجس ومع انحصار الساتر أم لا فأجاب الإمام انه غير ملزم ويصلي فيه فغاية ما يستفاد منها الجواز والمشروعية لا التعيين.

والطائفة الثانية: الدالة على الصلاة عريانا أيضاً في مقام دفع توهم الإلزام لأنّ المكلف يسأل ان انحصر الساتر بالمتنجس ودار الأمر بين ان يصلي فيه أو يصلي عريانا فهل يجوز له ان يصلي عريانا؟، فقال الإمام: «يصلي عريانا»، فغايته جواز ذلك لا أنّه هو المتعين.

فحيث لا دلالة لأي من الطائفتين على التعيين فلا معارضة بين الطائفتين لأنّ التعارض فرع دلالتهما على تعين الوظيف بذلك واما إذا دل كل منهما على مجرد المشروعية فمقتضى الجمع بينهما التخيير.

ولكن هذا الوجه غير منسجم مع رواية الحلبي بناء على تمامية سندها حيث قالت «يصلي فيه إذا اضطر اليه» فلو كان في مقام بيان مجرد الجواز لم يكن وجه لتعليقه على فرض الاضطرار، بأن يقال: يصلي فيه إذا اضطر إليه فإنّ هذا لا يوجه له إذا كان في مقام بيان أصل الجواز والمشروعية.

التقريب الثالث: قال السيد الإمام: «وقد يقال بأن التحقيق هو القول بالتخيير واقعا حملا لظاهر كل من الطائفتين على نص الأخرى، إذ كل منهما نص في الرخصة وظاهر في التعيين، فيؤخذ بالنص من كل منهما ويطرح الظاهر، واما النهي عن الصلاة عريانا فمحمول على الكراهة جمعا».

وفیه: ان التعیین ليس مستفادا من أصل الامر بل من اطلاقه فيقع التعارض بين الاطلاقين فدلالة كل منهما على التعيين مضافا إلى معارضتها لصحيحة الحلبي الأخرى، وفيها «يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا ويصلى فيؤمى إيماء».

فالدال على التعيين ليس مجرد الاطلاق بل القرينة اللفظية وعدم ملائمتها لصحيحة علي بن جعفر التي فيها صلى فيه ولم يصل عريانا، فحمل الطائفتين على مجرد الترغيب غير ملاءم لمثل هاتين الروايتين.

التقريب الرابع: ان يقال: ان عندنا شاهد جمع وهي صحيحة علي بن جعفر: «سَأَلَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ أَخَاهُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ عُرْيَانٍ وحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَصَابَ ثَوْباً نِصْفُهُ دَمٌ أو كُلُّهُ دَمٌ يُصَلِّي فِيهِ أو يُصَلِّي عُرْيَاناً قَالَ إِنْ وَجَدَ مَاءً غَسَلَهُ وإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً صَلَّى فِيهِ ولَمْ يُصَلِّ عُرْيَاناً».

قال السيد الإمام: «ان يقال: ان كلا من الصلاة في الثوب والصلاة عريانا في معرض الحظر واللزوم أو توهمهما وسؤال على بن جعفر عن الأمرين انما هو لذلك، فلا يدل الأمر مع ذلك على الوجوب المستفاد منه الشرطية ولا النهي على الحرمة المستفاد منها المانعية، فكأنه قال: يجوز الصلاة في الثوب «ولم يصل عريانا اي» ولا يلزم الإتيان بها عريانا فتدل «نفس الصحيحة» على التخيير بينهما والرواية اذن شاهدة للجمع بين الاخبار».

ويلاحظ على ما افيد:

أولاً: لا ظهور في قوله صحيحة بن جعفر «يصلي فيه» أو «يصلي عريانا» ان السؤال عن الحظر بل السؤال عن الوظيفة هل يصلي فيه أو عريانا؟!، وعلى فرض ظهور السؤال في ذلك وان الجواب جاء لبيان المشروعية فإن الجواب لم يشتمل على مفهوم كي تكون الرواية شاهد جمع لما ذكر في الاصول في ان الامر الوارد في توهم الحظر يدل على المشروعية التي تجتمع مع الوجوب لا بمعنى الاباحة بالمعنى الاخص فلو كان مفاد الرواية الاباحة بالمعنى الاخص فكانه قال يجوز لك الصلاة فيه ويجوز لك عدمه لكانت شاهد جمع بين الطائفتين اما غاية مفاد الرواية ان الصلاة فيه مشروعة والمشروعية اعم من الاباحة بالمعنى الاخص فلا مفهوم لهذا اللفظ على انه يجوز الفرض الآخر كي تكون الرواية صالحة لان تكون شاهد جمع بين الطائفتين فتحصل ان الصحيح هو استقرار التعارض بينهما. ويأتي ما ذكرناه سابقاً في حل هذا التعارض.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 111
الدرس 113